محمد الدكروري يكتب: عن الاستعداد لشهر رمضان ”الجزء الأول”
المصريين بالخارج
ونحن نستقبل شهرا مباركا كريما ملؤه الرحمة والغفران والخير، شهر تعمه الأنوار الإلهية والأجواء الروحانية، وشهر تنهمر السعادة من خلاله على الإنسان المؤمن الصائم الملتزم بتعاليم الله سبحانه وتعالى، إذن فينبغى على من عرف قيمة هذا الشهر المبارك المعطاء، وأراد أن يعيش الحالة الرمضانية المباركة ويكون نموذجا للصائم المنعم عليه بالقبول والغفران، ويكون له نصيب كبير من بركات شهر رمضان المبارك، ويكون ممن تشمله الرحمة الإلهية، ويكون ممن ينال رضى الله سبحانه وتعالى، أن يتحضر لإستقبال شهر رمضان بما يليق به لكي يكون ذو حظ عظيم من بركاته وآثاره، ولكي يكون موفقا في إستقباله فلا بد له من الإستعداد التام قبل حلول هذا الشهر المبارك الكريم، وكيفية الاستعداد لشهر رمضان حيث انحرف فهم كثير من الناس لحقيقة الصيام، فراحوا يجعلونه موسما للأطعمة والأشربة والحلويات والسهرات والفضائيات، واستعدوا لذلك قبل شهر رمضان بفترة طويلة خشية من فوات بعض الأطعمة أو خشية من غلاء سعرها.
فاستعد هؤلاء بشراء الأطعمة، وتحضير الأشربة، والبحث في دليل القنوات الفضائية لمعرفة ما يتابعون وما يتركون، وقد جهلوا بحق حقيقة الصيام في شهر رمضان، وسلخوا العبادة والتقوى عنه، وجعلوه لبطونهم وعيونهم، وقد انتبه آخرون لحقيقة صيام شهر رمضان فراحوا يستعدون له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك، ولكن كيف نستعد لشهر رمضان؟ وما هي أفضل الأعمال لهذا الشهر الكريم ؟ وهو يجب أن نستعد بالتوبة الصادقة، وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة قلب، فقال الله تعالى فى سورة النور" وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون" وعن الأَغر بن يسار رضى الله عنه عن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال " يا أيها الناس توبوا إلى الله فإنى أتوب فى اليوم مائة مرة" رواه مسلم.
وقال أيضا " يا أيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا " وأيضا نستعد لهذا الشهر بالدعاء، فقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم، فيدعو المسلم ربه تعالى أن يبلغه شهر رمضان على خير في دينه في بدنه، ويدعوه أن يعينه على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منه عمله، وكما نستعد بالفرح بقرب بلوغ هذا الشهر العظيم، فإن بلوغ شهر رمضان من نِعم الله العظيمة على العبد المسلم، لأن رمضان من مواسم الخير الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والغزوات الفاصلة في ديننا، فقال الله تعالى فى سورة يونس " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" وأيضا نستعد بإبراء الذمة من الصيام الواجب، فعن أبى سلمه قال سمعت السيده عائشه رضى الله عنها تقول " كان يكون على الصوم من رمضان فما استطيع أن أقضيه إلا فى شعبان" رواه البخارى ومسلم، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله.
ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر، وأيضا الإستعداد يكون بالتزود بالعلم ليقف على أحكام الصيام، ومعرفة فضل رمضان، وكذلك المسارعة في إنهاء الأعمال التي قد تشغل المسلم في رمضان عن العبادات، وكذلك الجلوس مع أهل البيت من زوجة وأولاد لإخبارهم بأحكام الصيام وتشجيع الصغار على الصيام، وكذلك إعداد بعض الكتب التى يمكن قراءتها في البيت، أو إهداؤها لإمام المسجد ليقرأها على الناس في رمضان، وكذلك الصيام من شهر شعبان استعدادا لصوم شهر رمضان، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه فى شعبان" رواه البخارى ومسلم، وعن غسامه بن زيد رضى الله عنه قال، قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال صلى الله عليه وسلم.
" ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم" رواه النسائى، وفي الحديث بيان الحكمة من صوم شعبان، وهو أنه شهر ترفع فيه الأعمال، وقد ذكر بعض العلماء حكمة أخرى، وهى أن ذلك الصوم بمنزلة السنة القبلية في صلاة الفرض، فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، وكذا يقال في صيام شعبان قبل رمضان، وكذلك الإستعداد أيضا يكون بقراءة القرآن الكريم، فقال سلمة بن كهيل كان يقال شهر شعبان شهر القراء، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن، وقال أبو بكر البلخى شهر رجب شهر الزرع ، وشهر شعبان شهر سقي الزرع ، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع ، وقال أيضا مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، وكان هذا حال نبيكم الكريم صلى الله عليه وسلم وحال سلف الأمة.
فى هذا الشهر المبارك، فما هو موقعكم من هذه الأعمال والدرجات، ويعتبر شهر رمضان من أفضل وأهم الأشهر عند المسلمين، لأنهم يؤمنون أن الله عز وجل أنزل القرآن على النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر من شهر رمضان، عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبّد في غار حراء، فجاء إليه الملك جبريل عليه السلام، ونزلت الآيات الأولى من سورة العلق، وقد أنزل القرآن الكريم من اللوح المحفوظ في ليلة القدر مرة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان المبارك، ثم أنزله الملك جبريل عليه السلام إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مفرقا في ثلاثة وعشرين عاما، وشهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو الشهر الذي يأتي بعد شهر شعبان، وفيه يصوم المسلمون في أنحاء العالم، حيث يمتنعون عن تناول الطعام والشراب والجماع والمحرمات المختلفة من الفجر وحتى غروب الشمس، ويؤدي كثير من المسلمين في أنحاء العالم صلاة التروايح، فهي نافلة يبدأ وقتها بعد صلاة العشاء.
وحتى صلاة الفجر، وتؤدى مثنى مثنى، أى أنها تصلى ركعتين ركعتين ثم ركعة واحدة وهي الوتر يدعو فيها المسلم ما يريده ويتمناه في دنياه وآخرته، ومن الجدير بالذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُصلها جماعة إلا ثلاث ليال، حتى لا يعتقد المسلمون أنها فرض وواجب عليهم طيلة حياتهم، وسن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاتها جماعة حتى لا تتعدد الآراء وتسود الفتن والنزاعات حول مشروعية صلاتها في المسجد، ولقد تجلت حكمة الله سبحانه وتعالى من تشريع صيام شهر رمضان وفرضه على كل مسلم في العديد من الأمور، وهو تحقيق تقوى الله في النفوس، حيث قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" فالصيام عبادة تقوى الوازع الإيمانى وتعززه لدى المسلم، فتمنعه من الوقوع في المحرمات، أو التمادى فيها، وتشكل له حاجز وقاية يحميه من تتبع الآثام والشرور، فالتقوى التي يحققها الصيام تحمل النفس على الالتزام بما أمر به الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه.