في ذكرى أكتوبر المجيد........ بسم الله.... الله أكبر.... بسم الله
خالد الخليصى المصريين بالخارجكتب : د.ماهر جبر
بسم الله الله أكبر نداء تردد أثناء المعركة فكان حقاً أن يكون النصر حليفنا. لم تكن حرب أكتوبر وانتصاراتها وبطولاتها الخارقة وليدة اللحظة، بل هي حصاد أعوام ستة سابقة من العناء والتدريب المستمر ليل نهار فيما عُرف بحرب الإستنزاف وهي التي أعقبت هزيمة أو ما أُطلق عليه بنكسة 67، نعم كان الإنتصار وليد بطولات حدثت أثناء المعركة، وبطولات أيضاً مهدت لها على مدار هذه السنوات الست، وكعادتنا دائماً عندما نكتب عن الحوادث الهامة التي مرت بشعبنا العظيم ثورات كانت أم حروب، فإننا لا نُحبذ الحديث عن بطولات ذائعة أو أبطال مشهورين، فلن يكون الحكي ذو معنى، لذا لن نتحدث مثلاً عن المشير أحمد اسماعيل علي، أو الجمسي، أو احمد بدوي ولا سعد الشاذلي أو أبو غزالة، فكل هؤلاء أبطال عظماء، أخذوا حقهم من الذكر والتمجيد وبطولاتهم قيل فيها الكثير، إنما أبحث دائماً عن أبطال روت دمائهم تراب هذا الوطن ولم يعرفهم أحد، بل طواهم النسيان، فكان لزاماً علينا أن نهمس لهذا الثرى الذي إرتوى بدمائهم كي يحدثنا عن بطولاتهم ويحكي لنا ما حدث منهم في أعظم وأجل لحظات حياتهم ألا وهي لحظات استشهاد هم.
إنه استشهاد وهب لهم الخلود، ووهب لنا حياة كريمة وجعلنا مرفوعي الرأس، فعلوا كل ذلك ولم يطلبوا شهرة أو مجد، فجاءهم كل ذلك طوعاً، وإنما كان نصب أعينهم فقط إعلاء كلمة وطنهم، وتحرير ترابه الغالي، كي يحققوا للأجيال القادمة كل أحلامهم وأمانيهم ويصنعوا لهم فجراً جديداً، ونهاراً مشرقاً، تشرق فيه شمس الحرية بعد ظلام دام طويلاً.
لذا نحاول إستحضار أرواحهم الذكية لنحدثهم ويحدثونا عما فعلوه ولا عجب في ذلك، أليسوا أحياء عند ربهم يرزقون، حقاً هم أبطال نسيناهم في الأرض لكنهم معروفون ومذكورون في السماء. فما من قرية ولا كفر من أرض هذا الوطن إلا وقدم أبطالاً ضربوا أروع صور التضحية والفداء، وما من نصب تذكاري في مدينة من مدننا إلا وملئت جنباته بأسماء هؤلاء الأبطال، بل لا أغالي إذا قلت أنه نادراً ما نجد بيت يخلو من شهيد، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من عاد الى أهله بعد الحرب وربما كان عاملاً بسيطاً أو فلاحاً فقيراً، لكنهم لم يصموا آذاننا ليل نهار بما قدموه لنا، ولم يطلبوا مقابل لما فعلوا، بل لم يأخذوا شيئا على الإطلاق، نسيناهم وأخذ من لم يفعل شيء كل شيء، وهكذا دائماً ففي كل زمان الشرفاء هم من يدفعون الثمن، والمنتفعون هم من يجنون المكاسب.
ولتكن لنا وقفة مع أمثلة من هؤلاء الأبطال الشرفاء:. يروي الجندي المصري الراحل محمد العباسي المولود في عام 1947 بمدينة القرين بمحافظة الشرقية وأول من رفع العلم فوق خط بارليف عن نفسه فيقول انه التحق بكتّاب القرية وحفظ القرآن الكريم، ثم حصل على الشهادتين الابتدائية والإعدادية، ثم توقف عن التعليم وعمل بالزراعة، وتم تجنيده في الجيش المصري عقب حرب 1967، ويتذكر هذه الأيام قائلاً إنه كان جندياً في إحدى كتائب الجيش المصري بالإسماعيلية والتي تعمل في الضفة الغربية لقناة السويس، وكانت التعليمات لهم بعدم إطلاق النيران على الجنود الإسرائيليين في الناحية المقابلة، وعدم الاستجابة لاستفزازاتهم، لكن قائد الكتيبة، قال لهم باللهجة العامية المصرية عندي ذخيرة وعندي سلاح هاتوا لي صيد ثمين، مضيفاً أنه في تلك الفترة كان قائد القطاع الشمالي الإسرائيلي يزور موقعين لقواته في الضفة الشرقية، وقام جنديان مصريان من كتيبته بإطلاق النار عليه وقتله وأضاف أنه في يوم 5 أكتوبر كان كل الخطباء في الكتائب بصلاة الجمعة يتحدثون عن الشهادة ومكافأة الشهيد عند الله، ووقتها شعر الجميع أن المعركة اقتربت وأن ساعة الصفر قد حانت، مشيراً إلى أنه في اليوم التالي وصلتهم الأوامر بالضرب والقتال. يقول البطل محمد العباسي إنه في ظهيرة اليوم التالي يوم 6 أكتوبر، وصلته التعليمات من قائد كتيبته المقدم ناجي عبده، ومعروف عسكرياً أنه خلال المعارك لا ينادي الجنود والضباط على بعضهم برتبهم العسكرية أو ألقابهم، مؤكداً أنه صعد فوق تبة ونقطة حصينة بخط بارليف في القنطرة شرق، وأطلق النيران بكثافة ضد الجنود الإسرائيليين فيها فقتلهم جميعا، ومن شدة فرحته مزق العلم الإسرائيلي غير عابئ بما يمكن أن يحدث له من إطلاق نار عليه لو شاهده جنود إسرائيليون آخرون.
ثم يذكر أنه عقب تمزيق العلم الإسرائيلي رفع العلم المصري فوق تلك النقطة التي كانت أول نقطة مصرية يتم تحريرها، ووقتها قال لقائده مبروك يا ناجي، وبعدها سارع زملاؤه بخطف العلم المصري واحتفظ كل منهم بجزء منه للذكرى، ويكمل العباسي ويقول إنه قام برفع العلم ما بين الساعة الثانية و15 دقيقة وحتى الساعة الثانية و20 دقيقة قبل أن يتخطفه زملاؤه، ثم أكمل المعركة في اليوم التالي واقتحم مع رفاقه، النقطة الثانية في جزيرة البلاج وأسروا 21 إسرائيلياً، وفي اليوم التالي أسروا طياراً و17 إسرائيلياً. لم يكن يعرف العباسي أنه أول من رفع العلم المصري فوق خط بارليف إلا عقب انتهاء الحرب، ووقف إطلاق النار، كل ما علمه وقتها أن العلم المصري تم رفعه فوق 22 نقطة حصينة، وأن أغلب من رفعوا العلم تم إطلاق النار عليهم واستشهدوا، لكن غرفة العمليات بالقيادة العامة للجيش وبعد الرجوع لبيانات القتال اتضح لها من خلال توقيتات المعارك والعمليات أنه أول من رفع العلم.
أما ثاني هؤلاء الأبطال فهو الرقيب محمد حسين محمود، أول من استشهد في حرب اكتوبر المجيدة، هذا الجندي العظيم سطر اسمه كأول شهداء الحرب وفقًا لإشارات التبليغ من الوحدات الفرعية التابعة للجيش، فعندما بدأت المعركة كان في مقدمة الصفوف المواجهة للعدو، وتعامل البطل مع القوات الإسرائيلية وما كاد النهار ينتصف حتى سقط شهيداً، وكانت آخر إشارة أرسلها إلى قائده: العدو يا أفندم على بعد 10 أمتار، وبهذا يكون أول شهيد على أرض سيناء خلال معارك أكتوبر عام 1973 واسمه مسجل بالموسوعة العالمية. وأخيراً فإن شهيدنا الثالث هو عبد الهادى السقا، ولد هذا البطل بعزبة الشارية قرية معنيا بمركز إيتاي البارود محافظةالبحيرة من أوائل الشهداء أيضاً، لم يعرفه أحد، استشهد بطلنا في صباح السادس من أكتوبر عام 1973 وقبل بدء الحرب بساعات قليلة، حيث كانت مهمته استطلاعية هدفها جمع المعلومات عن العدو، وأثناء عبور الطائرات الهليكوبتر التي كانت ضمن مجموعات استطلاع خلف خطوط العدو ومعهم مجموعات انزال الصاعقة، أصيبت طائرتهم فكان أول شهيد في كتيبة الاستطلاع ، وتمت ترقيته بعد استشهاده لرتبة رائد شهيد، وأطلق اسمه على المدرسة الإعدادية في قريته.
وفي النهاية فإنه إذا كان من أسمى أهدافنا أن نعطي كل بطل من هؤلاء الأبطال بعض من حقه، غير أنا نُصدم بواقع أن ذلك يحتاج الى مؤلفات كثيرة لا كتاباً واحداً أو مقالاً، لكننا أردنا فقط أن نقدم بعض النبذات عنهم حتى نرفع عنهم تراب النسيان، خاصة أنهم كما قلت لم يتغنوا ببطولاتهم ويتعالوا علينا بها، بل شعروا أنهم لم يؤدوا إلا واجبهم نحو بلدهم، ثم عاد كل منهم الى عمله، الفلاح في حقله، والعامل في مصنعة، وجد قوت يومه أو لم يجده. تحية تقدير وعرفان بالجميل لهؤلاء الأبطال اللذين قدموا حياتهم فداءً لنا، وسلام على أرواحهم الذكية العطرة، وأجسادهم الطاهرة تحت الثرى، وليكن ما قدموه من تضحيات نبراساً وقدوة لنا، حتى يزداد إنتماؤنا لهذا الوطن فنضحي من أجله بالغالي والنفيس.