الجماعات الإسلامية وآثارها السلبية على الحياة السياسية في مصر ..... بقلم د /محمدالشرقاوي
خالد الخليصى المصريين بالخارجبقلم :د /محمدالشرقاوي
لقد شهدت الحركات الدينيّة السياسية والفكرية صُوراً كثيرة من الانقسام والتفتت والتشرزم جعلها لا ترى إلا نفسها كما جعلها تزعم أنها تمثل صحيح الدين وقبلته الوحيدة وكأنها تجسد صورةً إخطبوطية فوضوية لإنكار الآخر.
لقد ظهرت جماعات وفرق كثيرة على السطح كادت تأخذ في التمدد لكنها سرعان ما كانت تنكمش، لأن التطرف الذي كانت تمارسه كان يمثل عامل هدم لها لا عامل بناء، وعامل نفور منها لا عامل انتماء، فصراعها على السلطة بعد انتهاجها المسلك الدعوي أفقد العاقل الثقة في الانتماء إليها.
لقد كانت نشأة هذه الجماعات من باب التقليد الأعمى لحركات وأحزاب نازية استطاعت السيطرة وقتها على ألمانيا لذلك سعت سعيها مقلدة لها ومتاجرة باسم الدين ما جعلها تنجح نجاحا مؤقتاً في استقطاب أعداداً ليست بالقليلة من الناس، فبعد سقوط الخلافة العثمانية بدأت الحركات الإسلامية في النشأة وانطلقت جميعها من رحم جماعة الإخوان المسلمسن والذي يدور فكرها جميعاً حول احتكار الدين والعلم والفتوى وإصدار القرار الديني الذي يدور في فلكة عوام المسلمين، ومن ثم التأثير في القرار السياسي.
ويبدو لي أن الصراع والتشرزم وانكار وجود الآخر والفوقية من أهم ملامح الحركات والجماعات الإسلامية، فقد كانت ولا زالت تلك الجماعات دائمة الاختلاف فيما بينها متباينة الآراء متضاربة المصالح والمنافع ما أدى إلى تشرزمها إلى فرق وأحزاب كثيرة متصارعة ومتناحرة تغذيها رغبتها في طمس هوية الآخر والخروج على السلطة والتمرد على الاتجاه السائد والغالب في المجتمع.
ويتأكد لي أن أيادي هذه الجماعات لم تكن أبداً بيضاء؛ إنما حمراء مخضبة بدماء الكثير من الأحرار المناهضين لفكرهم، فجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها أحمد السكري، والتي صار زعيمها بعد ذلك حسن أحمد عبد الرحمن (حسن البنا) الذي كان معروفاً وقتها باسم حسن الساعاتي نسبة إلى مهنة أبيه ذو الأصول المغربية أعلنت في بداياتها أنها دعوية فقط ؛ إلا أنها سرعان ما انخرطت في دهاليز الحياة السياسة، إلى أن قامت ميليشياتها عام 1948م باغتيال أحمد الخازندار انتقاماً منه لإصداره حكما بالإعدام ضد أحد أعضاء التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، كما أن البنا قد تواصل مع قوى أجنية، إذ قدم الجنرال الإنجليزي كلايتون والمستشرق هيورث دون دعماً مالياً للجماعة حسب مقالة السكري المنشورة بجريدة الأمة بتاريخ 25 / 8 /1940م ، بالإضافة إلى أن أصابع هيئات سرية عالمية عبثت داخل هذه الجماعة حسب قول الشيخ الغزالي رحمه الله في كتابه " من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي.
كما أن جماعة التكفير والهجرة التي أسسها شكري أحمد مصطفى عبد العال (مصطفى شكرى) عام 1973م، قامت بتكفير المسؤول عن الأمن والمخابرات والشرطة، ونهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية، إذ كانت تكفر كل من ارتكب كبيرة وأصر عليها بإطلاق دون تفصيل، وأفتت بأن الدولة التي لا تطبق الشريعة الإسلامية كافرة، وأن من يتحاكم إلى القانون الوضعي كافر، وأن المجتمعات الموجودة هي مجتمعات جاهلة وكافرة، واغتالت الذهبي وزير الأوقاف عام 1978م.
أيضا تنظيم الجهاد: الذي أسسه كل من علوي مصطفى، وإسماعيل طنطاوي، ونبيل البرعي، نهج المنهج السلفي في الاعتقاد، وتبنى منهج التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالقوة، واستخدم القتال ضد رموز السلطة والأمن، وقام بعملية الكلية الفنية العسكرية عام 1974م.
كما أن الجماعة الإسلامية التي نشأت في أوائل السبعينات على يد ناجح إبراهيم، وفؤاد الدواليبي، وعصام دربالة، تبنت العنف والإرهاب ضد السياسيين والمدنيين وقوات الأمن المصري واستخدمت القتال ضد رموز السلطة والأمن، واغتالت الرئيس السادات (عبود الزمر – خالد الإسلامبولي – كرم زهدي)، وقامت بالعديد من التفجيرات والاغتيالات عام 1995م التي راح ضحيتها الكثير من ابنائنا في القوات المسلحة والشرطة، وفي عام 1997 اغتالت 57 سائحا فيما يسمى بعملية مذبحة الأقصر، هذا بالإضافة إلى جماعات وحركات أخرى كجماعة الجهاد السلفية وغيرها.
لقد استطاعت تلك الجماعات توظيف الدين بطريقة خاطئة لخدمة مصالحها واستخدمته كواجهة تزين بها وجهها الحقيقي حتى تتمكن من استقطاب أكبر عدد ممكن من الناس لتحقيق تغطية واسعة تستمد منها شرعية وجودها، فاجتزأت النصوص وفسرتها بما يخدم مصالحها السياسية، في الوقت الذي كانت فيه الساحة مهيأة أمامها تماماً والمناخ أكثر خصوبة، في ظل غياب الدور التوعوي الفاعل والمؤثر للمؤسسات الدينية، حيث تخلت تلك المؤسسات عن لعب دورها الحيوي، الذي كان مأمولاً أن تمارسه لتفويت الفرصة على هذه الجماعات ومنعها من نفث سمومها في عقول بعض الفئات التي آلت أن تسمع لقادتها دون أن تتدبر، رغم أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيه العبرة لمن أراد أن يعتبر، فقد وصف الحقيقة التي ستكون عليها حال الأمة، لما سأله حذيفة قائلاً له:
يا رسول الله كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير على يديك، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فقال حذيفة: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ فال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه، قال: قوم يَهدون بغير هُدى، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر، فقال حذيفة: وهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا يا رسول الله، قال هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قال: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركني ذلك، قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: وإن لم يكن لهم جماعة، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك، (متفق على صحته).
لقد رفضت هذه الجماعات في خطابها الديني إعمال العقل فسدت الطريق أمام باب الاجتهاد في كل القضايا والمسائل العالقة، لأن الفكر المتطرف يجعل عقلية صاحبه ثابتة جامدة متحجرة ومتسلطة الرأي تفرض رأيها على الآخر دون أن تسمع لرأيه، لذلك تجدهم لايجيدون النقاش ولا يفهمون لغة الحوار، يحتكرون الرأي ويصادرون آراء الآخرين، كما استطاعت أن تجتزئ النصوص وتأولها لخدمة مصالحها، فجعلت عقول تابعيها معطلة تماماً، وجعلتهم كأنهم مسلوبي الإرادة ومفتقدي الثقة في ذواتهم، مما أدى إلى توطين ثقافة النقل الحرفي دون اجتهاد، لذلك فشلوا في تمثيل الإسلام والمسلمين، فممارساتهم السياسية والاجتماعية والدينية كفيلة بالحكم على فساد رأيهم.
ويبدو لي أن فكرة هذه الجماعات بجميع مسمياتها تدور حول فكرة احتكار الدين، والعلم به، وحق الفتوى، وحق إصدار القرار الديني، وبالتالي التأثير على القرار السياسي لتحقيق مصالح خاصة.
لقد أثبتت هذه الجماعات والتنظيمات والطوائف عدم نضجها السياسي، وميلها بل وتبنيها العنف بدافع تحقيق مصالحها الخاصة ، لذلك وضعت لتابعيها مناهج مسمومة ورسمت لهم أطراً للتعامل وحددت لهم كتباً للقراءة وألزمتهم أن يتبنوا سلوكاً مؤدلجاً فربت المنتمي إليها تربية ممنهجة لخدمة أهدافها ومخططاتها، وعلى التابع لها والمنتمي إليها أن يسمع ويطيع الأمير دون أن يكون له رأي فيما يرى أو يسمع.
لقد احتكرت هذه الجماعات تفسير النصوص القرآنية والنبوية لنفسها، ومسكت بزمام الفتوى والقرار الديني، وسدت باب الاجتهاد، وأغلقت باب الحوار، وغالت في الأحكام، وأخذت لنفسها صفات متضاربة فأطلق البعض منها على نفسه أهل الحق، وما دونه أهل الباطل، أو أهل الأهواء أو أهل البدع، ونبذت وقبحت الآخر وكفرته، وانتهجت الكثير من الأفعال والأقوال والممارسات التي حالت دون تجديد الفكر الإسلامي فاستبدت واحتكرت الدين؛ رغم أن ديننا الحنيف هو دين السماحة والرحمة ودين الحب والسلام، فرسول الله بُعث رحمة للعالمين، والله تبارك وتعالى جعل الدنيا دار ابتلاء وركب في الناس الفطرة السليمة التي يستطيعون بها أن يحسنوا الاختيار، لذلك جعل الله لنا حرية الاختيار المبني على إعمال العقل ، ومن هنا سيقيم الله على الناس الحجة يوم القيامة بمقتضى تلك الفطرة، (حين أشهدهم عليه ألست بربكم ؟ قالوا بلى)، لذلك كان الخيار للعبد (وهديناه النجدين) ، ومن ثم لا يستطيع أحدٌ أن يجبر أحداً على اعتناق دينٍ بعينه أو اعتقاد عقيدة بعينها بدليل قوله تعالى: في آخر سورة الكافرون، "لكم دينكم ولي دين".
ولله در الشاعر إذ يقول: فمالي في الناس، إن مالوا، وإن عدلوا ديني لنفسي، ودين الناس للناس.
لقد شوهت الجماعات الإسلامية المتطرفة الصورة الحسنة للإسلام واستبدلتها بصورة ضبابية غير واضحة الملامح منفرة لمن يريد أن يتعرف على الإسلام أو ينتمي إليه، من خلال مناهجها المؤدلجة ومن خلال عمليات القتل والاغتيالات التي قلما خلت أياديها منها، رغم أن دين الإسلام يدعو إلى السلام وينبذ كل صور العنف، فكما هو معروف أن كل فرد يبني لنفسه تصوراً ما للحقيقة رغم أنه لا يوجد سوى وجه واحد لها، فالنازية مثلا حاربت لأجل تصور رأته صحيحاً، راح ضحيته ملايين الأشخاص، وهذا للأسف ما وقعت فيه تلك الجماعات العنفوية المتطرفة.
والذي يدعو كثيراً للأسف ويثير الدهشة والاستنكار هو وقوع بعض الدول والأنظمة العربية في خطأ جسيم كونها سمحت بمساحات واسعة من الحرية لتلك الجماعات في ظل وجود وعي تام وكامل منها بحقيقة هذه الجماعات المرعبة وأهدافها غير السوية وتاريخها الأسود، وممارساتها السياسية الإقصائية المتنمرة.
لقد أثبتت هذه الجماعات عدم قدرتها على ممارسة الحياة السياسية لأنها لم تكن يوماً مؤهلة لأن تلعب دوراً سياسيا نظيفاً، إذ لم تصل بعد لمرحلة النضج السياسي، كما أن لديها ميل متواصل إلى العنف والقتل والاغتيال، لذا يتعين على جميع حكومات تلك الدول أن تتدارك خطأها وتحلحل وتفكك تلك الجماعات والتنظيمات الإسلامية، وكذلك جميع الأحزاب التي تقوم على أساس أو خلفية أو مرجعية دينية، ويتعين على الدولة المصرية بالتحديد أن تنتبه لوجود طابور خامس لا زال موجوداً في كل أجهزة الدولة، وأن تتصدى له بكل قوة وحسم وحزم، باعتباره يمثل خطراً جسيماً قائماً، وقنبلة موقوتة هي في الحقيقة أكثر خطراً من الجماعات الإسلامية نفسها، لأن هذا الطابور يسعى سعياً حسيساً لتفتيت القوى المجتمعية وإحداث حالة من الفوضى المتواصلة في البناء الاجتماعي للمجتمع المصري، كما أن عليها أن تفعل دور مؤسسة الأزهر باعتبارها تمثل روح الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي واحترام الآخر، وكذلك دور وزارة الأوقاف باعتبارهما معاً مؤسستين رسميتين وسطيتين، مع ضرورة خصهما بالخطابة والفتوى دون غيرهما، وفتح باب الاجتهاد في الحوادث والقضايا العالقة، وتنقيح وتنقية الأصول وغربلتها من الآراء المضللة أو الأحكام المنحازة ، بالإضافة إلى منع أي تجمعات سرية من شأنها تسميم عقول أبنائنا بأفكار سوداء تسهم في هدم مجتمعاتنا وتحض على العنف والتقسيم والتفتيت والتشرزم.