أميرة البيطار تكتب... ”شهيد البئر”
المصريين بالخارجستُسجّل في التاريخ ولن ننساها أبداً ، قصة الطفل العربي «ريان»، الذي سقط في بئر شمال المغرب، واختنقَ معه العالم بأسره ،حرّكت جبالاً من أجلهِ ، ولكن مشيئة الله أن يُحلّق بجناحيهِ إلى جنة عرضها السموات ، كأنه خرج من باطن الأرض ليودع والديه ومن ثم يعود إليها ، لم تكن القصة فقط بسقوطه في البئر ، وإنقاذه ومن ثم وفاته ، القصة تكمن بطفل الخمس سنوات الذي مات موجوع ، جائع ، خائف ، وحيد بعيد عن حضن أمه وأبيه ، مؤلمة تلك اللحظات التي مرت عليه طيلة الخمسة أيام ، حتماً أفكار أتت لرأسه الصغير ، كم مرة نادى لأبيه وأمه ، كم صرخة من الوحشة صرخها، أراد الله أن تفرقنا السياسة ونجتمع على الإنسانية، فمن رحم المعاناه يولد الأمل، ومن الضيق يتسع الفرج.
من باطن الأرض إلى عنان السماء، أراد الله أن يجعل من مشهد سقوط الطفل«ريان»، فصل من فصول القومية العربية، التي لا طالما انشدها الشعوب، الحالة بفكرة الاتحاد العربي، لقد كان رمزا للوحدة، لقد أعاد مشهد السقوط، مشاعر الحب، والعاطفة الإنسانية، جعلتنا كأننا جسد واحد إذا اشتكى عضو تتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ثم رحلت لتمزق قلوبنا "لاشىء يعوض فقدان الولد"، ولكنها إرادة الله التي لا يعلوها شيء، هل حافظ عليك لأنه يريد أن يمحي ذنوبنا بدعائنا، وبصوت تهليلنا وتكبيرنا، أم لأن البئر كان أحن عليك من هذه الدنيا ومنا، الله وحده - عزوجل- هو من يعرف سبب مكوثك حيًا طيلة الأيام الماضية ، حتى تعود لهذه الدنيا التي لا تعادل جناح بعوضة، وترحل إلى السماء، فتنتفض شعوب وحكومات العالم، وتعلن الحداد والحزن عليك، شهيد البئر أيها الملاك الصغير، لم تجمعنا فقط على الدعاء، اجتمع العرب والعالم، بلا هدف، أو مطمع، بتجرد، ورفعنا ايدينا إلى الله مجمعين، تحت شعار نعم للحياة، تحيا الإنسانية، تلاقي دعوات الأزهر بالمساجد مع دق الأجراس بالكنائس تدعو بعودتك سالماً ، نستلهم من قصص الأنبياء، رواية سيدنا يونس في بطن الحوت ، نتذكر سيدنا موسى وقصة النهر، سيدنا يوسف حين رده الله لأبيه، وأخيراً سيدنا إبراهيم عندما التحقت بالرفيق الأعلى كي يستقبلك مع السيدة سارة وأطفال الجنة، جاء ليذكركم أننا أمة واحدة.. ورحل.
الحياة في بعض المناطق تشبه البئر كلنا فيها عالقين مثل الطفل «ريان»،صحيح يصلنا ما يكفي من طعام وأكسجين حتى لا نلفظ الأنفاس الأخيرة بينما الحبال الممدودة لانتشالنا مجرد وهم حتى يحين الأجل، سامحنا يا الله إن بكيناها ، لقد فطرت قلوبنا بفقده ، ليتَ الأطفال لا يمرضون ، لا يتألمون لا يرحلون.