اللقاح والحبة الزرقاء
د.أشرف يعقوب المصريين بالخارج
تعجبت غاية التعجب من هذا الرفض الذي يظهره كثير من الناس لتلقي لقاح الكوفيد ، اياً كان نوعه.
في مصر يوجد اللقاح الصيني و هو لقاح ثبتت صلاحيته و عدم ضرره في دراسات قامت بها الشركة المصنعة تحت اشراف و ضمان الحكومة الصينية. الحقيقة ان الشركة المصنعة هو شركة حكومية في الصين و تخضع لاشراف حكومي مباشر. و هذه الدراسة نشرت في مجلة "لانست" الطبية البريطانية العريقة.
اللقاح الصيني هو واحد من لقاحين اعتمدتهما الحكومة الصينية من اصل سبع لقاحات تمت دراستهم.
وقد بدأوا في عمل هذه اللقاحات من منتصف يناير ٢٠٢٠ بعد القبض على الفيروس و عزله في المعمل. والحقيقة ان اول من عزل هذا الفيروس في العالم هن ثلاث باحثات من معهد "سبالّانتزاني" للامراض المعدية في روما و المسمى على اسم عالم الميكروبات الايطالي "لاتزارو سبالّانتزاني" و هو واحد من آباء علم الميكروبات.
اقرأ أيضاً
- فيروس كورونا سيظل معنا إلى الأبد
- 22% من المصابين بدون ارتفاع فى الحرارة.. العليا للفيروسات تكشف أعراض كورونا الجديدة
- وزيرة الصحة: توريد اللقاح الصيني لمصر خلال أيام قليلة
- رومانيا: أكثر من 3000 إصابة جديدة بكورونا.. و62 وفاة
- الشيخة انتصار الصباح تفتتح روما يونيتد بالكويت
- ”الصحة”: احتمالية انتقال فيروس كورونا من الأحذية للأفراد ضعيف جدًا
- رومانيا تسجل 3100 إصابة جديدة بكورونا.. و78 حالة وفاة
- رومانيا.. 4875 إصابة جديدة بكورونا خلال الـ24 ساعة الماضية
- رئيس الجهاز: غلق وتشميع 16 بدروماً مخالفاً ورفع الإشغالات بالسادات
- عاجل اسماء الحكومة الرومانية الجديدة
- غلق وتشميع حضانتين و6 بدرومات وورشة لمخالفة تغيير النشاط بـ ”السادات”
- أستاذ أمراض الجهاز الهضمي: اللقاح الصيني أفضل من الأمريكي
ولكن الصينيون عزلوه هم ايضا على حدة، بل وحددوا خريطة جينات هذا الفيروس اللعين. ولم يبخلوا بهذا العلم على العالم وكتموه لانفسهم، لا، بل و نشروا الخريطة الجينية، والتي تفصل كل صفاته ومكوناته، في اشهر المحلات الطبية ، وهذا ما اتاح لجميع معامل العالم المتخصصة ان تقيم الدراسات الخاصة بتجهيز لقاحات لهذا الفيروس الذي لم يكن معروفاً من قبل.
وهكذا وبسرعة صرفت ملايين الملايين من الدولارات لتجهيز كل المعامل المتخصصة في جميع انحاء العالم لعمل لقاح باسرع ما يمكن. كان العلماء من أرجاء الارض القاصية والدانية، ومازالوا، يعملون ٢٤ ساعة في ٢٤ ساعة، ويتواصلون مع بعضهم البعض في ثواني بواسطة شبكات الانترنت، ويستخدمون احدث الاكتشافات و الامكانيات التكنولوجية الجبارة التي استطاع الانسان ان يطوعها لخدمته. هذا يفسر سرعة التوصل الى عدد من اللقاحات الناجعة في وقت واحد تقريبًا.
ولقاح الفيروس الصيني هذا و الذي وصل لمصر من الامارات ، هو مصنع بالطريقة التقليدية و التي نستعملها من عقود طويلة. وتتلخص هذه الطريقة، بتبسيط شديد، في عزل الفيروس و زرعه في البيض لاكثار عدده، ثم قتله او اضعافه بمواد كيميائية ، ثم حقن جثث من هذا الفيروس المقتول او افراد منه ذوي جسد مضعف هزيل في الانسان فتقوم الخلايا المناعية بانتاج و الاحتفاظ في ذاكرتها بمواد مضادة قاتلة لهذا الفيروس ككل، سواء حي او ميت.
اما في بريطانيا واوروبا وامريكا فتوجد لقاحات فايز-بيونتك، مودرنا و استرا زينيكا. الاولان يعملان بتكنولوجية جديدة، و لكن اكيدة، تتلخص في ارسال مادة مصنعة كرسالة الى نوايا الخلايا البشرية لتصنع نفس المادة التي تتكون منها شوكات الفيروس و التي يستخدمها في اقتحام خلايا المرضى.
الرسالة التي يتم حقنها في ذراع الانسان تذهب الى نواة الخلية البشرية و تجعلها تصنع شوكات مشابهة لشوكات الفيروس. الرسالة بعد تبليغها تقوم النواة بتمزيقها ارباً فلا يبقى منا داخل الخلية اي شئ، و بذلك لا تسبب اي تغير في جينات الانسان و لاتؤدي الى اي تغيرات او طفرات او تحورات.
تطلق الخلايا التي وصلتها الرسالة الشوكات التي صنعتها في مجري دم المريض. تشعر الخلايا المناعية في الجسم بوجود هذه الشوكات الغريبة الشكل و تعتبرها مواد دخيلة لعدم فهمها لوظيفتها بالضبط. تقوم الخلايا المناعية بتحطيم هذه الشوكات بواسطة مواد كيميائية نسميها "المضادات الحيوية " ، وتستمر قائمة مكونات هذة المضادات الحيوية وطريقة تحضيرها موجودة في ذاكرة الخلايا المناعية تنتجها كلما احست بوجود شوكات الفيروس الحقيقي في الدم.
والخلاصة انه بهذا التكنيك الحديث تحفّز خلايا الانسان على انتاج شوكات مشابهة لشوكات الفيروس الطبيعي و لكن ليس لها اي ضرر مرضي لعدم وجود الفيروس معها.
و اذا دخل الفيروس جسم الانسان مسلحا بشوكاته الرهيبة، و مستعدًا ان يستخدمها في اقحام نفسه داخل الخلايا البشرية ، يجد الخلايا المناعية و هي تقذفه بالمضادات الحيوية التي تدربت على انتاجها بواسطة اللقاح. تقوم المضادات الحيوية بتدمير شوكات الفيروس فيجد نفسه عاريا و قد تجرد من سلاحه الجبار، و الوحيد. فيموت بسرعة لانه لا يستطيع ان يعيش طويلا بدون دخول واستنزاف الخلايا بشرية كانت او حيوانية.
و السبب الاساسي لرفض الناكرين للقاحات يكمن في قولهم ان اللقاحات تم انتاجها في وقت قصير . و قد شرحت اعلاه لماذا نجح العلماء في تحضيرهم هذه اللقاحات بهذه السرعة، نتيجة تضامنهم و تعاونهم و سرعة الاتصالات و تبادل المعلومات و وفرة الإمكانيات التكنولوجية و الموارد المالية.
و من العجب ان عقار فايزر الشهير، الفياجرا ، تم بيعه في العالم كله بعد سنتين فقط من اكتشاف مادته الفاعلة و هي فترة قصيرة جدا بمقاييس وقتها. في ذلك الوقت كان يلزم على الاقل عشر سنوات لإنزال اي عقار جديد في الاسواق. في البداية كان عقار الفياجرا مصمما لتوسيع شرايين القلب او تخفيض الضغط ، و فشل ذلك. و لكن كانت المفاجأة ان المشاركين في التجارب شعروا بأثر جانبي "لطيف و مفيد". و في سرعة غريبة، و ذلك من حوالي ٢٥ سنة، اسرعت فايزر من التأكد من ذلك وتحديد الجرعات المطلوبة ثم وضعته في السوق بسرعة غير عادية في ذلك الزمن.
و لم يعترض احد، و لم يخرج احد ليقول ان الفياجرا هو من اختراعات الحكومة العالمية و القوى الخفية الشريرة لقتل الرجال او تحويلهم لعبيد مطيعين ، او تعقيمهم لتقليل اعداد البشر في الكوكب. لم يصرخ احد ان الفياجرا سيسبب لخبطة في خريطة جينات الانسان او سيؤدي الى طفرات مفزعة او تحورات شنيعة في شكل جسم الانسان او في وظائفه الطبيعية.
كنا كأطباء متخوفين منه في اول الامر، و كان المرضى يطلبونه منا فنتردد في وصفه لانه خرج للسوق بسرعة لم نعتدها، و في معظم الاحيان كنا نصفه للمرضى على مضض بسبب الحاحهم. و كان الكثيرون منهم يقولون "هاخده يعني هاخده، ان شالله يجيلي اللي يجيلي". بل و جئن بعض النساء و سألن اذا كان هناك عقار لهم في هذا المجال ، و منهن من احتج على العلماء الذي يفكرون فقط في علاج الرجال. و بعضهن قلن ان الفياجرا يعطي للرجال سلاحاً جديداً و نفوذاً اقوى على النساء اللآتي يرون ازواجهن العواجيز واصبحوا فجأةً شباباً مرة اخرى فزاغت عيونهم و اصبحوا يجرون وراء الفتيات صغيرات السن و يلقون نجاحاً كبيرا معهن.
عجبي على الانسان الذي هو على استعداد ان يضحي بصحته من اجل متعته، و يرتعد خوفاً من كل ما هو جديد يحمي صحته.
صدق الله العظيم الذي قال"و كان الإنسان أكثر شيء جدلًا ".