قراءة تحليلية للمشهد السورى
بقلم : دكتور محمد حجازي
مع بداية الغزو التركي لشمال شرق سوريا ( عملية نبع السلام ) عقب إعلان ترامب انسحاب القوات الأمريكية من منطقة هي الأكثر هدوءا من بين سائر المناطق السورية ساد الاعتقاد بين كافة المراقبين إن هناك اتفاقا بين ترامب اردوغان على هذا الاجتياح التركي لأراضى سورية
وفى تقديري إن ما يحدث ليس اتفاقاً تركياً أمريكيّاً، بل مناورة سياسية كبرى متوقعة في مرحلة متأخرة من أزمة تقترب من الحل.
وهنا يقفز إلى السطح عدة تساؤلات منها:
لماذا انسحبت أمريكا؟ وماذا يحدث في سوريا؟ وهل تتآمر أمريكا مع اردوغان؟
للإجابة، من المهم أن نبدأ بشرح الواقع على الأرض.
لكل أزمة سياسية نهاية، وفي تقديري أن أزمة سوريا في معطفها ما قبل الأخير،
وبالتالي كل الدول الفاعلة ( تركيا - أمريكا - روسيا )تحرص على ترتيب أوضاعها للمرحلة المقبلة.
لحلحلةّ الأزمة السورية، لا بدّ من حلّ عقدتين:
الأولي : عقدة إدلب.
الثاني : عقدة منطقة شرق الفرات.
عقدة إدلب :
في يتجمّع عشرات الآلاف من المسلحين المتطرّفين المدرجين في قوائم الإرهاب، وكثير من هذه الفصائل استثمرت فيهم تركيا، وعلى رأسها جبهة النصرة
تريد تركيا أن تصنع منهم ورقة تفاوض بها هذا بخلاف أنّ إدلب يتواجد بها أكثر من ٣ ملايين نسمة، وبالتالي لو قام الروس بعملية واسعة للقضاء على أولئك المتطرفين سيؤدي ذلك لحالة نزوح وبالتالي زيادة لاجئين. إلى تركيا
عقدة شرق الفرات:
أما شرق الفرات، فهناك التواجد الأمريكي الكردي وسط منطقة هادئة لحدّ ما
الموقف الأمريكي وتورط اردوغان :
في تقديري إن أمريكا تعي أن الأزمة في فصولها الأخيرة، وهي حريصة على خلط الأوراق بما يضمن إحداث شرخ وسط الحلف الروسي التركي الإيراني، هذا فضلا عن ضمان ما يحقق مصلحة إسرائيل.
وبالطبع، إعادة إنتاج بشار أمر لا تخطئه العين في مساعي الحل. ولأن الأزمة لن تنتهي قبل معالجة إدلب، كانت تعرف أمريكا أن انسحابها سيعقبه تحرّك من اردوغان، وهذا الاجتياح سيورّط اردوغان وبالمقابل سيتورط اردوغان
لأسباب عدة منها :
العالم لن يقبل بذلك وهذا يجعله عرضه للعقوبات الاقتصادية.
سيضطر للتعامل مع السجناء الدواعش بعض التقديرات تشير إلى أن عددهم يصل لـ ٩ آلاف
إن أقلتهم من سجونهم وهذا أمر غير مستبعد سيكون في نظر العالم راعي للإرهاب، وإن تركهم فسيكون مسئولاً عن كرة اللهب هذه، خصوصاً أن دول أوروبا رفضت استقبال الدواعش الأوربيين
الموقف التركي في الأزمة السورية :
لدى اردوغان معضلتان
نزيف اقتصادي خلال العامين الأخيرين زاد منه وجود اللاجئين السوريين
الأكراد هذا غير الانتخابات البرلمانية القادمة في تركيا لذا شكّل انسحاب أمريكا فرصة لأردوغان بحيث يقوم بعمل منطقة آمنة بعمق (٣٢كم) على طول الشريط الحدودي، وذلك يحقق له جملة مكاسب
إعادة اللاجئين السوريين في تركيا ليستوطنوا المنطقة الآمنة وبالتالي يُحدث ذلك تغييراً ديموغرافياً في هذه المنطقة
، أي أن هذه المجاميع البشرية ستشكّل عازلاً بين الأكراد والأتراك
منطقة يمكن للفصائل الموجودة في إدلب أن تستوطنها فيما لو تمّت عملية روسيّة هناك
نفوذ قد يمكّنه من الاستفادة من النفط السوري في الحسكة توحيد جبهته الداخلية ودغدغة مشاعر جماهيره قبل الانتخابات البرلمانية القادمة في تركيا
الموقف الروسي من الأزمة السورية
أعتقد أن الروس لن يقبلوا بهذا الاجتياح لسببين .
يرى الروس أنهم من يمسك بالملف السوري ولن يسمحوا لطرف أن يقوم بعملية منفردة لا تحقق مصلحة للروس .
القضاء على الجهاديين المتطرفين هدف استراتيجي للروس
وما يقوم به اردوغان لا يحقق الهدف بل قد يكون حائلاً دونه.
لذا دعا الروس لمفاوضات بين النظام السوري والأتراك،
وبالطبع يقصدون العودة لبنود اتفاقية (أضنة) الموقّعة بين البلدين في عهد حافظ الأسد عام ١٩٩٨م
رؤية مستقبلية للواقع السوري : ماذا سيحدث مستقبلاً؟
في تقديري سيحدث الآتي
لن يحقق الأتراك هدفهم، إذ تصعب السيطرة على كامل هذا الشريط الحدودي في ظلّ رفض دولي له
ستفرض عقوبات اقتصادية على تركيا . ربّما نشهد عملية روسيّة واسعة في إدلب
سيُروّج ترمب ما تمّ أنه يحقق مصالح أمريكا حيث تمّت محاربة الإرهاب، ومعاقبة اردوغان الذي شاغب الأمريكان
بشار سيكون في وضع أفضل إثر الموقف العربي الرافض للتدخّل التركي
وارد جداً أن يُطلق اردوغان الدواعش من السجون ليخلط الأوراق ويُهدّد أمن الجميع؛ الأوروبيين والعرب.
