×
12 شوال 1445
20 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

والوهم أيضًا حقيقة

والوهم أيضًا حقيقة
والوهم أيضًا حقيقة

بقلم : د.صلاح شفيع 

الوهم في ذاته ليس إلا وهماً ، لكنه يصبح واقعاً لمن يريده كذلك ، الواهم ليس أعمى ، لكنه يقيم عالماً غير موجود ويصدق بوجوده . ولا ضرر من ذلك إن ظل الأمر مجرد اعتقاد لا يُترجَم إلى أفعال ، إنما كل الضرر من أن يتحول هذا الاعتقاد إلى قاعدة تقيم عليها بناء ً ، فلو توهّم أحدهم أنك قتلت أباه ، فلو خطا خطوة واحدة على أرض الواقع بناء على هذا الوهم فهذا يعني أنه سيقتل اقتصاصاً لأبيه . 

وماذا يستفيد البرئ الذي قُتِل بعد قتله إن فهمت إنك كنت واهماً ، وقد وقفت الآن على الحقيقة ، انطلق السهم ، وسبق السيف العذل ! ماذا يفعل أبوللو إن أخبره غرابه الأبيض بأن حبيبته كورنيس قد خانته مع رجل من البشر ؟ ما كان منه إلا أن رماها بسهمه القاتل . ثم يكتشف أن الغراب قد كذب عليه ، وأنها كانت بريئة . وهل عقابه الغراب ، وتحويله إلى غراب أسود ، أو حتى قتله سيعيدها إلى الحياة ؟ إن الفعل المبني على وهمٍ لا يمكن إصلاحه. 

الأمر نفسه حدث مع الشاعر العربي ديك الجن ، قتل حبيبته ؛ لأن بعضهم أرادوا له أن يصدق أنها تخونه ، سرقوا هديته إليها في غفلة منها ووضعوها عند آخر ، وجد الشاعر هديته هناك ، ويقتلها ديك الجن . ثم ينهار العالم الوهمي ، ويكتشف أنه قتل بيده البراءة والنقاء ، ولا يبقى له سوى الندم الأشد قتلاً له من الموت ، والأمر بالسيناريو نفسه حدث لعطيل بطل مسرحية شكسبير ، فالمسرحية تتحدث عن رجل قتل حبيبته لأنها خانته ، عندما رأي قنينة العطر التي أهداها لها عند آخر ، ولا يدري أن هناك من سرقها ووضعها عند الآخر ، ليجعل عطيل يوقن بخيانة زوجته ، فلما رأى عطيل قنينة العطر عند الآخر قتل ديدمونة حبيبته ، ثم لم يلبث أن علم الحقيقة ، وأن ما ظنه حقيقة لم يكن إلا وهماً ، هنا وجد الزرعة الحقيقية للوهم ، ليس إلا الندم .. لم يقتل فتاة ، بل قتل سعادته .. لما بنى فعلاً على حكم ظني .. فماتت ابنة الفجر بتهمة الخيانة وهي منها براء.

هذا حكم ظني على الرغم أنه عندما فعل ، كان موقناً أنه يفعل الحق والصواب ، فلم يقتلها إلا بدليل واضح أمامه ، لكن ليس كل ما تراه هو الحقيقة ، فقد يكون ما تراه هو ما يريد أحدهم لك أن تراه ، هناك شياطين أنس يمكنهم أن يحبكوا واقعاً مزيفاً ، والتشابه كبير إلى درجة المطابقة بين قصة الشاعر العربي ديك الجن ، وبين بطل شكسبير عطيل ، حتى أن بعضهم يرى أن شكسبير استوحي فكرة مسرحيته من قصة ديك الجن ، ولذلك جعل بطل مسرحيته بحاراً مغربياً ليكون أقرب إلى مزاج العرب في الحدة وسرعة رد الفعل. 

في أحد الطرق الصحراوية المؤدية إلى بغداد كانت ثمة شجرة ، لا يذهب أحد إلى بغداد إلا بعد أن يمر عليها ، هذه المرة كان الطاعون هو القادم .. سألته .. 

ـ أيها الطاعون ، لماذا أنت ذاهب إلى بغداد ؟؟ 

ـ لكي أقضي على خمسة آلاف شخص !

وفي طريق عودته من المدينة، مر الطاعون ثانية بالشجرة التي صاحت فيه في غضب : 

ـ لقد كذبت عليّ ، وبدلاً من أن تقتل خمسة آلاف قتلت خمسين ألفاً! رد عليها الطاعون: 

ـ هذا غير صحيح ، وأنا لم أكذب عليك، لقد قلت لك إنني سوف أقتل خمسة آلاف ، وهذا هو العدد الذي قتلته لا أكثر ولا أقل ، أما الباقون فقد قتلهم الخوف .

الأمر نفسه ستجده لو سألت أحد الزلازل في اليابان ، لماذا زاد عدد القتلى عن المقرر؟ سيقول لك : قتلهم وهمهم ..

وثمة امرأة كانت تخاف من الضفادع ، فعمد أحدهم إلى خرقة قماش وألقاها على صدرها وهو يصيح : ـ ضفدعة . فسقطت ميتة ! يقولون : صدقت ، فأعمل الفكر في الجسم فأوقف قلبها !

لما خطف عبد السميع ابن عدوه اللدود الشوادفي ، كان الطفل صغيراً جداً ، لا ذنب له في الصراع بين الكبار ، تعلقت امرأة عبد السميع بالطفل ، وتوسلت إليه ألا يقتله ، وأن تتخذه ولداً ، قال لها: أجننت ، أبدلاً أن أقتل ابنه ، أقوم بتربيته له .. ؟؟

ـ بل بتربيته لنا .. !

ـ يا مربي في غير ولدك .. 

ـ ومن سيعرف أنه ليس ابننا ..أبوه الآن يعرف أن ابنه قد مات ؟ ولم تزل به حتى وافق أن تتخذه ابناً ، وما أسهل أن تختفي بعض الوقت ، وتظهر ومعها الطفل على أنه ابنها ، ويكبر الطفل حتى يصبح في العاشرة .. ولم ينس الشوادفي ثأره ، يخطف ابن عبد السميع ، الذي هو ابنه هو دون أن يدري ، ويقرر أن يحرق قلبه عليه ، ثم وهو يشفى غيظ قلبه ، يتصل عليه ، ويقول له : 

ـ الآن حرقت قلبك على ابنك كما حرقت قلبي على ابني .. قتلت ابنك يا عبد السميع !

ـ يا مسكين .. هذا ابنك .. لم أقتله .. ربيته .. !

ولعلكم تعرفون ماذا حدث للشوادفي ، وهو يتلقى الحقيقة ، لما عرف أن عبد السميع البادئ بالجريمة كان أكرم منه ، لأنه ربي ابن عدوه ، بينما هو قتل ابنه نفسه . فإذا لم تكن واثقاً مما تفعل ، فقدّم الخير ، الذي لو ضاع فهو نافعك ،ولا تقدم الشر الذى لو ضاع فهو قاتلك . 

في الأساطير اليونانية يحكون عن شيخ ظل ينتظر ابنه الغائب ، ولا يقطع الأمل في رجوعه ، لقد ذهب في مهمة قومية ليغتال وحشاً ، واتفق معه على علامة ، لو عاد ظافراً ، وقد قتل الوحش يرفع راية بيضاء بدلاً من راية السفينة السوداء . ليستبشر الأب أنه أتم مهمته بنجاح ، وظل الآب يجلس كل يوم على الشط في انتظار السفينة ، وانتظار الراية البيضاء ترفرف على السفينة تبشره بعودة ابنه سالماً . 

وأخيراً عادت السفينة المرتقبة ، لكنها كانت تحمل رايتها السوداء ، فهل كان حقاً ابنه قد قُتل ؟ لا ، بل انتصر ابنه البطل على الوحش ، لكنه في غمرة احتفاله على السفينة بالنصر ، نسى أن يغير الراية كما اتفق مع أبيه ، وأيقن الأب أن الوحش قد قتل وحيده ، فلم ير خيراً في الحياة من بعده ، لم ينتظر حتى أن ترسو السفينة .. بل ألقى بنفسه في الماء منتحراً ، لتصل السفينة ، ويقفز الابن فرحاً ، أين أبي ؟؟ ليجد الناس متجمهرة على غريق هو أبوه . فكم يبنى الناس حياتهم على وهم ، يعتقدون أتم الاعتقاد أنه حقيقة . 

وفهم البطل أن نسيانه تغيير الرايه هو الذي قتل أباه ، ولم يسامح نفسه ، ولعل الندم الشديد يقتله ، وهنا يعيد خطأ أبيه ، فيقتله وهم ، لأن الذي قتل الأب ليس نسيان الابن تغيير الراية ، بل الحكم الظني عند أبيه . لأنه ظن ، وأقام على الظن بناء . لو أنت مكان الأب وقد أوشكت على الانتحار ، ونزلت لك فجأة من حيث لا تدري ، وسألتك : 

ـ ماذا ستفعل يا رجل ؟؟ 

ـ ابني مات ، فسأنتحر !

ـ أتقسم أنه مات ؟؟ 

ـ ماذا ؟؟ 

ذلكم الظن ، تظنه نهاراً ، وما هو بنهار . مادمت لا تستطيع أن تقسم ، فلعله لم يمت .. انتظر ، انظر أليس هذا ابنك ؟؟ 

 أجد بعضاً من الناس يبنون أحكامهم على أقرب الناس إليهم بناء على حكم ظني ، فإذا قلت له : أتقسم أنه فعل ذلك ؟؟ ما استطاع أن يقسم .. فإن كنت يا عزيزي لا تستطيع أن تقسم على ما تراه ، فلا تبن عليه أي فعل . لأن الفعل المبني على وهم ، هو جريمة لا يمكن تصحيحها . 

ويحكى أن رجلاً حضرته الوفاة فقيل له : قل لا إله إلا الله ، فكان يقول لا ، فلما أفاق ذُكر له ذلك ، فقال : أتاني شيطان عن يمينى وعن يسارى يقول أحدهما : مت يهودياً فإنه خير الأديان ، والآخر يقول مت نصرانياً فإنه خير الأديان ، فكنت أقول لهم : لا ، لا .. 

كان الرجل إذن يقول لا ، للشيطان داخله ، لا للناس حوله . فلو مات قبل أن يفيق لظنوا ظناً قاطعاً أن الرجل قد هلك ومات على غير دين الإسلام . لو أخبرت أحداً أن ثمة ميتاًً قيل له : قل أشهد أن لا إله إلا الله ،وأن محمداً رسول الله ، فقال لا ، لا ، ثم لفظ آخر أنفاسه ، أتراه سيشارك في الصلاة على هذا الميت ؟؟  

  تعالوا بنا نقوم بتلك التجربة الصعبة ، كأننا الكاميرا الخفية ، هاهو العامل في هذه الشركة الكبيرة لبيع المواد الغذائية ، في آخر أيام الأسبوع : الخميس يدخل ثلاجة الشركة الضخمة ، عبارة عن غرفة عملاقة ، ليقوم بجرد الصناديق بالداخل ، ذلك لأن غداً الجمعة وبعد غد : إجازة . سنقوم الآن بإغلاق الباب عليه ، سيبدو الأمر كأن الباب أغلق بالخطأ ، طبعاً فصلنا الكهرباء عن الثلاجة ، لكنه لا يعرف ، سيطرق الباب ، لكن لن يفتح له أحد ، سيظن أن الجميع انصرفوا ، سيطرق ، ويطرق ، ثم لن يلبث أن تتضح لعقله الحقيقة المخيفة ، أنه هالك ، فلن يأتي أحد إلا بعد أن يبيت ليلتين في الثلاجة ، يستمر في طرق الباب ، بقوة ، دون جدوي ، جلس ينتظر مصيره ، الكاميرا تتابعه ، في المساء ، يمسك ورقة ويكتب .. 

ـ أنا الآن محبوس ، في هذه الثلاجة ، أحس بأطرافي بدأت تتجمد ، أشعر بتنمل في أطرافي ، لا أستطيع التحرك ، أكاد أموت من البرد .. 

لو أمضى ليلته تلك ، والليلة القادمة لوجدوه ميتاً ، فمن يكون برأيكم القاتل ؟ ليس البرد ، لأن الثلاجة كانت مطفأة ، ولم تكن متصلة بالكهرباء ، لن يكون قاتله سوى الوهم الذي جعله يعتقد بما أنه في الثلاجة ، إذن الجو بارد جداً تحت الصفر ، وأنه سوف يموت ، واعتقاده هذا يجعله يموت حقيقةً !! 

ولعل البعض يقول : بل قاتله أنتم ، لأنكم من وضعتموه في تلك التجربة التي فشل فيها ، وأقول : نفترض أننا لم نفعل ذلك ، وأن الباب فعلاً انغلق عليه بالخطأ من الخارج .. أليس القاتل هو وهمه كما قلنا ! 

دعنا من الكاميرا الخفية مع هذا الإنسان الذي لو ترك مع وهمه لمات من برد غير موجود .. وتعالوا بنا نلعبها مع الفيل ، هذا الحيوان الضخم ، سنربط قدمه الأمامية بحبل صغير فحسب .. انظروا ، أن الحبل لا يقيده ، لكن ها هو الفيل قد استسلم للحبل كأنه سلسلة من حديد لا يستطيع التغلب عليها ، ذلك لأن الأفيال حديثة الولادة فعلاً ، تُقيَّد بحبل مثل هذا ، فلا تقدر فعلاً على التحرر منه ، فإذا كبر الفيل ، وقُيَّد بنفس القيد ، استحضر عجزه القديم واستسلم له . 

هاهو شاب يتعجب من ضعف الحبل ، ويقترب من مدرب الأفيال ، ويقول له : 

ـ ألا تخاف أن يتحرر هذا الفيل الضخم من هذا الحبل الصغير الذي لا يقيِّد إلا قدمه الأمامية . 

يضحك المدرب ، ويقول له بلهجة الواثق : 

ـ اطمئن ، لن يفعل ، لقد حاول وهو حديث الولادة أن يتحرر من هذا الحبل ، فلم يستطع ، من بعدها لا يكرر المحاولة ، كلما رأى الحبل رضخ لمصيره . 

الحبل إذن لا يمنعه ، لكن يمنعه وهمه ، ومن الوهم أن تغفل العامل الزمني ، فما كنت لا تقدر عليه قبلاً ، ليس بالضرورة لا تقدر عليه الآن ، ربما تقدر . فإياك أن تحكم على الغد بميزان الأمس . لأنك إذا استسلمت إلى الوهم كنت أعجز من أضعف الخيوط. 

ليس إلا الوهم هو ما يمنع هذا الفيل الضخم من أن يمزق هذا الحبل ، وهو قادر علي ذلك ، لكنه لا يحاول ، من يخبر هذا الفيل أنه قادر على التخلص منها ، وإن كانت أضعاف ذلك قوةً ، من يخبر الفيل أن هذا الحبل كان كافياً لتقييده وهو وليد ، وأن هذا الحبل لا يقيده بعد أن أصبح أضخم الحيوانات ، وأن استسلامه له كالنكتة التي لا تصدق .قولوا ما شئتم ، قولوا له : ليس إلا الوهم هو الذي يقيدك ، فلن يتغير شيء ، وسيظل مستسلماً ذلك لأن الوهم عنده أصبح حقيقة.

ما ضرنا لو حاولنا أن نكسر وهمنا ، أن نقول ماذا لو كان ما نظنه من حقيقة وهماً ؟؟ ماذا لو كان الصديق الذي قاطعته أنا فهمته خطئاً .. ؟؟ ما ضرنا لو  افترضنا أن السور الذي يعرقل تقدمنا إن هو إلا ضباب ، لا يحتاج سور الضباب أكثر من أن تمشي فيه فحسب .. 
يحكي أن هتلر غضب على ثلاثة ضباط  خالفوا أوامره ، فقرر أن يقتلهم بوهمهم ، إذ وضع كل واحد منهم في سجن على حده ، كان الضابط مقيداً ويسمع موسيقى كلاسيكية وأمامه ماسورة مياه تنقط ببطء ، وقيل لهم .
ـ هناك تسرب لغاز سام سيقتله خلال ست ست .. 
     لم تمض أكثر من أربع ساعات حتى مات اثنان من الثلاثة ، لم يكن هناك غاز ، لكنه خدعهم ، ليجعل عقولهم هي من تقتلهم ، حيث اتضح أن فكرة الغاز القاتل جعلت أجسامهم تفرز هرمونات تؤثر سلباً على القلب وأجهزة الجسم ، وتبدأ بإماتة الجسم . 
  ثمة فيلم مصري اسمه المجهول  امتلأت فيه البطلة (قامت بالدور سناء جميل) بحقد على البشر لأنها فقدت ابنها ، وبدأت في فندقها النائي   تخدِّر الشخص المختار ، وتسلبه محفظته ، ويقوم الأخرس خادمها الأمين بحمل الجثة إلى النهر . في المرة الأخيرة بينما مضى الأخرس بالجثة تتسمر من المفاجأة وهي تقرأ بيانات الضحية الأخيرة ، الضحية هذه المرة كان ابنها نفسه ، تجري وراء الأخرس  لاهثةً ، تصرخ عليه من بعيد لتمنعه أن يلقي بالجثة في النهر ، دون جدوى ، لا يسمعها ، وهكذا دفعها وهمها عن موت ابنها إلى قتل الناس حتى انتهت بقتل ابنها ، وهنا أفاقت من الوهم .. 
فالوهم يفسد حياتنا ، فكم من صداقات تنتهي بسبب ظن خاطئ ، وكم من أسر تتهدم بسبب هذا الأسلوب الظني الذي لا يستنهد على أساس من واقع ، إنك عندما تبني بيتاً من الظن فإنه يحل محل بيتك في الواقع ، تخسر كثيراً ، ثم لا تجد في النهاية البيت الذي اعتمدت عليه. 

اذكر أن رجل أعمال كانت لديه سكرتيرة صغيرة ، والحقيقة كان يريد أن يتزوجها برغم أن له بيتاً وأولاداً ، إلا أنها كانت ترفض ، وكانت تُؤثِر عليه شاباً صغيراً لا يملك شيئاً ، لكنه يكافح ، وكان رجل الأعمال يقول لها : 
ـ إنه لا يستطيع أن يطعم نفسه ، دعك منه .. !
أما زوجته فقد فسرت الأمر بأن الفتاة هي التي تنصب حبائلها حول زوجها ، وأن زوجها كان مستقيماً قبل أن يعرفها ، وهنا رأت الحل في الإطاحة بالفتاة من حياة زوجها ، وذهبت إلى بيت الفتاة وفضحتها  ، طار خطيب الفتاة طبعاً ، أما الفتاة فقد وافقت عناداً  على عرض رجل الأعمال . نعم .. موافقة على زواجك ، وهكذا ردت السكرتيرة للزوجة الصاع صاعين وتزوجت زوجها إغاظة فيها ، بل اشترطت شرطاً واحداً للزواج .. أن تكون هي زوجته وحدها ،  وكان لها ما أرادت ، وهكذا خلقت الزوجة بظنها ما كانت تخافه . نعم كثيراً ما يدفعنا الظن إلى جعله واقعاً . لأنك لو ظننت أن إنساناً ما عدو لك ، فأنت ستتصرف بعدائية نحوه ، تلك العدائية هي من ستحوله إلى عدو حقيقي . ولعل العقلية الشعبية كانت على صواب وهي تقول : اللى يخاف من عفريت يطلع له .. لأن خوفه يصنعه له . 

اتهمنى أحد المقربين باتهام ظالم ، فلم أنفه له ، والتزمت الصمت كالمقر بالذنب ، وتركته يؤمن بأن ظنونه  نحوي حقيقية ، قالت  نفسى لى :  لماذا فعلت ذلك ؟؟ هو الآن يصدق أنك مذنب ؟!    قلت : إذا كان يصدق ما ليس فيّ ، فكيف يكذب ما يفتريه الناس عنى ؟ أين هو من أبي بكر الصديق الذى صدّق ما لا يصدق  عن صاحبه لما علم أن صاحبه قد قاله . 

أنا الذى صدمتُ فيه ، وليس هو ، ووجدتنى في حاجة إلى أن أخسره ، فما حاجتى إلى صاحب يملك القابلية لأن يصدق فيّ أى شيء ، فماذا لو جاء أحدهم وأخبره عنى خبراً كاذباً ؟ ألا يدافع عني ؟ وكيف يدافع إذا كان يصدق عنى أوهاماً ؟

قد يكون - إذن – صمت الآخر أمام الاتهامات صدمة ، وقد يكون سكوته عقاباً لصاحبه لأنه شك فيه ، وقد يكون اكتشافاً أنه لا يخسر بعقاب صاحبه ، وأن صاحبه يعاقب نفسه بذلك عندما يخسر إنساناً طيباً لن يجد مثله بسهولة . وأنه في المقابل سيخسر إنساناً شكاكاً . فخسارة صاحبه أكبر من خسارته .
بحضور مجموعة من العلماء أخذ  أحد الباحثين موافقة المحكمة العليا لتنفيذ الحكم في أحد المحكومين عليهم بالإعدام عن طريق  تصفية دمه وذلك بعد موافقته طبعاً ، عن طريق تعويض مالي لأهله ، بالإضافة إلى كتابة اسمه في تاريخ البحث العلمي  لدراسة التغيرات التي يمر بها الجسم ،  فضلاً عن أنه  لن يخسر شيئاً ، فهو في النهاية ميت ، وافق الرجل ، وركب الطبيب خرطومين رفيعين على جسد الجاني المعصب العينان بدءاً من قلبه ، وانتهاءً عند مرفقيه ، وضخ  فيهما ماءً دافقاً بدرجة حرارة الجسم يقطر عند مرفقيه  ، ووضع دلولين أسفل يديه لتسقط القطرات فيه محدثة صوتاً يشبه سقوط الدم المسال ، وكأنه خرج من قلبه ماراً بشرايينه في يديه ساقطاً منهما في الدلوين ، بدأ تجربته متظاهراً بقطع شرايين المجرم ليصفى دمه ، وينفذ حكم الإعدام المتفق عليه ، بعد عدة دقائق لاحظ الباحثون شحوبًا واصفرارًا يعتري كل جسم المحكوم بالإعدام ، وبعد المدة المقدرة للموت ، اقتربوا منه ، فوجدوه قد مات ، العجيب أن دمه ظل معه ، فما كان يقطر في الدلوين ليس إلا الماء الدافئء ، بينما كان الرجل يظن أن دمه هو الذي يسقط في الدلوين ، فما الذي أماته ؟ ليس إلا خياله الذي تعايش صوتاً وصورة مع الحدث ، برغم أنه لم يفقد قطرة دم واحدة ، لكنه الخيال المتقن الذي أقنع  العقل بأن هذا الوهم حقيقة  . 

لى قصة اسمها الشك أخي ، تتحدث عن رجل هدم حياته بسبب الشك في زوجته ، طلقها ومضى ضارباً على وجهه لا يعرف أحد له طريقاً ، مخلفاً بيته وابنه ،  واضطر أخوه المتهوم بها أن يتزوجها ليستر زوجة أخيه البريئة ، ويربى ابن أخيه ، وهو يثق أن أخاه يتابع أخبارهما من بعيد ، وأن زواجه بها يثبت التهمة على نفسه . 

ثمة امرأة استلفت عقداً ثميناً من اللؤلؤ من سيدة ثرية ، لتحضر به حفلاً ، وتتصور به ، ثم ضاع العقد ، ماذا تفعل تلك المرأة الفقيرة ؟ خافت من السجن والفضيحة ، هربت من المدينة ، وعاشت غريبة مشردة ، وبعد عشر سنين ترجع إلى المدينة ، وتراها السيدة الثرية ، تحاول أن تتخفى منها ، لكنها تتعرف عليها ، وتقابلها بحفاوة .. 

ـ ألست غاضبة مني ؟؟ 
ـ ولماذا ؟؟ 
ـ العقد ! 
ـ لكني أعطيته لك .. فقد كان عقداً مقلداً لا يساوي خمسة فرنكات !  لما أعطيته لك كنت أنتوي ألا أسترده .. 

وأخيراً .. يجب أن يكون كل شيء في حياتنا قائماً على أسس واقعية ، لا خرافية ، حتى لا نكتشف بعد ضياع الوقت أننا كنا في قصر من وهم ، لا يعرف به أحد سوانا .. إن الإمام على بن أبي طلب عرض عليه أحد المنجمين أن يؤخر خروجه إلى القتال ليكون النصر حليفه ، لكن علياً رفض الاستجابة له ، وخرج إلى القتال وانتصر ، ولو انتظر إلى الوقت الذي طلبه المنجم لنُسِب النصر إلى المنجم ، فأراد الإمام علي بعدم الاستجابة إلى المنجم ألا تُبنَي حياتنا على أوهام .

 اخلع وساوسك نحو صديقك ، وإذا حدثتك نفسك بسوء فيه ، فكذبها ، لأنك وقتها تكون غير قادر على الصداقة ، فلن تسعد بصداقته ، ولن يسعد بصداقتك أحد ، فالمثل يقول لا تعاشر الظنان ، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول : اعذر أخاك سبعين عذراً فإن لم تجد له فقل لعل له عذراً لا أعرفه ، كل هذا ليصنع لك معولاً تهدم به قصورك الوهمية . 

سألت أختها الكبرى وهي ممدده على فراشها تراقب شجره بالقرب من نافذتها : كم ورقة باقية على الشجره ؟؟
فأجابت الأخت بعين ملؤها الدمع : لماذا تسألين يا حبيبتي؟!!
أجابت الطفلة المريضة :
لأني أعلم أن أيامي ستنتهي مع وقوع أخر ورقة !
ردت الأخت وهي تبتسم : إذن حتى ذلك الحين سنستمتع بحياتنا ونعيش اياماً جميلة .
مرت الايام ...وتساقطت الأوراق تباعاً ..
وبقيت ورقة واحدة...
ظلت الطفلة المريضة تراقبها ظناً منها أنه في اليوم الذي ستسقط فيه هذه الورقة سينهي المرض حياتها .
انقضى الخريف ..وبعده الشتاء ..ومرت السنة.. ولم تسقط الورقة..
والفتاة سعيدة مع أختها.. وقد بدأت تستعيد عافيتها من جديد! ..
حتى شفيت تماماً ...فكان أول ما فعلته أنها ذهبت لترى معجزة الورقة التي لم تسقط !!
فوجدتها ورقة بلاستيكيو ثبَّتتها أختها على الشجرة ...

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 08:47 صـ
12 شوال 1445 هـ 20 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:51
الشروق 05:23
الظهر 11:54
العصر 15:30
المغرب 18:25
العشاء 19:47