×
16 شوال 1445
25 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

مذكرات مهاجر مجهول (12)

المصريين بالخارج

د.اشرف يعقوب

و بدأنا في التحضير لزواجنا انا و سلفانا. كان يجب علينا وضع اعلان زواجنا في مبني مجلس الحي الذي نسكن فيه و هو المبنى الذي يسمى في إيطاليا بالكمونه. و هذا الإعلان يجب ان يوضع في مكان معروف على حائط المبنى ١٤ يوم على الأقل قبل الزواج و ذلك حتى اذا ما كان هناك اي اعتراض على هذا الزواج من قبل أشخاص او هيئات لها ان تتقدم لمنعه. و في نظري هذا شئ سليم و مفيد و يمكن أن يؤخذ به في مصر و قد يمنع مشاكل و كوارث لم تكن في الحسبان. فمثلا قد يكون العريس مطلوب للعدالة او متزوج من أربعة او له أغراض اخري غير شريفة من هذا الزواج، او تكون العروسة سيئة السمعة او متزوجة من آخر ، و غيره من مثل هذه المشاكل التي ، للأسف ، تحدث كثيرا.

لم يستطع احد من أهلي ان يأتي من مصر و لا اي صديق مصري و هكذا كنت في يوم زواجي الاول "كقرد قطع".

كان الزواج مدنيا في مجلس الحي و الذي زوجنا كان هو عمدة حيينا. و قد حضر المناسبة في المجلس أهل سلفانا و أصدقاؤنا و ايضا قسيس البلدة الذي كان يعرفها منذ ولادتها فهو الذي قام بتعميدها حينذاك. قال لنا و هو عاتب اننا كان من الممكن لنا الزواج في الكنيسة حتى و ان كنت انا مسلم فالكنيسة لا تمنع زواج المسيحية بأي واحد من دين آخر، و يمكن للزواج ان يتم في الكنيسة بدون ان يقوم العريس او العروسة الغير كاثوليك بأي مراسم كنسية. فإعتذرنا له لعدم معرفتنا بذلك.

و ذهبنا بعد ذلك الى مزرعة سياحية كما يسمونها هنا. المزرعة السياحية هي مزرعة عادية و لكن يسمح لاصحابها ان يفتحوها كمطعم، تقدم فيه اطعمة من النتاج المحلي للمزرعة، و ايضا كمكان للزيارة و لقضاء وقت لطيف في ايام العطلات الأسبوعية و العامة. منها زيادة لدخل المزارعين و منها حفاظ على تقاليد البلد و تشجيع للسياحة الداخلية و الخارجية. و هذا المشروع نال نجاحا كبيرا في كل أوروبا و ساعد كثيرا على بقاء الشباب في أريفاهم و كانت له نتائج إيجابية على الزراعة نفسها و تربية الحيوانات و المنتجات الريفية اليدوية و الصناعات الغذائية الأخرى. و حتى الآن مازال الاتحاد الأوروبي يساعد بتمويل مالي محترم من يريد من اصحاب المزارع ان يقوم بهذا النشاط بشرط الا يكون مدعاة لتركهم عملهم الأصلي و هو الإنتاج الزراعي و الحيواني.

كنا عشريين فرداً من اقرب الأهل و الأصدقاء فقط و كان احتفالا بسيطا جدا.

و في شقتنا وجدنا الكثير من الهدايا و وجدنا ايضا بعض المفاجآت. ذهبنا للنوم بعد اليوم الطويل و لكن في عز الليل سمعنا منبه يدوي في غرفة النوم، و قالت لي عروستي ان هذه هي دعابة معتادة هنا و من تقاليد بلدها. فاسكتّ المنبه و كنت في غاية التعب و كابس علي النوم بشكل فظيع. و لكن بعدها بنصف ساعة دق منبه آخر في غرفة النوم مخبأ بحرص حتى لا نجده بسهولة، و بحثت عنه حتى وجدته و اسكته. و لكن بعد نصف ساعة دق منبه آخر و لكن هذه المرة خارج غرفة النوم في مكان آخر من الشقة، و هكذا دواليك و حتى العاشرة صباحا من اليوم التالي .

وعرفت ان هذه الدعابة هي من تقاليد هذا البلد و يقوم الاقارب و الأصدقاء المقربين بوضع عدد كبير من المنبهات المضبوطة بتوقيتات مختلفة حتى تزعج العروسين طوال اول ليلة لهم. و هذا في نظري تقليد قاسي و مزعج جدا و اتمنى ان لا يقلد في مصر أبداً.

لم يكن عندنا وقت، و لا مال، لعمل شهر عسل و في إيطاليا يسمونه "قمر العسل" فقد كان يستمر مدة شهر قمري. و هو تقليد مهم جدا في إيطاليا و في أوروبا عامة و اي عروسين يجب ان يخططا لهذا الشهر بجدية و ان يقوما به بأي شكل و بأي تضحية. و لكني لم أقم بشهر عسل لا في زواجي الاول و لا حتى في الثاني.

و رجعت يوم الاثنين بعد الزواج، الذي كان يوم سبت، الي وحدة القسطرة في ميلانو التي كانت على بعد حوالي إربع ساعات بالقطار من تريفيزو حيث نسكن. كان الجو في الوحدة مكهرباً فقد عادت مديرة الوحدة و نائبها للخناق و التصادم العلني أمام الجميع . هو ينقد عملها بشدة و يلقح عليها بالكلام لأنها تلبس البالطو الأبيض مباشرة على ملابسها الداخلية و لا تحترمه طوال الوقت واضعة رجل على رجل في وجهه فيرى، مجبراً، كل شئ و هو ما كان "يقرفه" على حد قوله. اما هي فكانت تتهمه بتعطيل مشروعاتها و دراساتها لانه يريد ان يحل محلها. كان هذا النائب رجل في خمسينيات عمره، قصير، نحيل، صفراوي المزاج، عبوس، و متشائم دائما. و كانت هي على عكسه تماما و تعجبت كيف كان يمكن ان يعملا معا، و فعلا كان العمل يتم فقط بفضل الأطباء الصغار و الممرضات، اما هما فكانا يقضيان الوقت في اجتماعات او خناقات. و يذهبان الى العديد من المؤتمرات المحلية و الدولية، مدفوعين من شركات الأدوية او المستحضرات الطبية التي كانت تصرف علي هذه الأمور أموال ضخمة و كما شاهدت فيما بعد ان بعض الأطباء قد زاروا العالم كله تقريبا بهذه الطريقة.

هذا لا يعني انني ضد أن يذهب الأطباء الى المؤتمرات الطبية و تكون مصاريفهم مدفوعة من شركات الأدوية او شركات الأدوات الطبية. مصاريف هذه المؤتمرات غالية جدا و لا يمكن لطبيب موظف في الحكومة ان يدفعها ليجدد و ليحدث معلوماته و مهاراته الطبية. و لكن أحياناً توجد المبالغة مثل اذا عزموك علي مؤتمر في البرازيل اثناء الكرنفال مع اضافة لقاءآت مع راقصات برازيليات من ذوات الأجسام التماثيلية، او عندما يدعوك لمؤتمر في جدوله لقاء من فتيات "تحل عن حبل المشنقة" في دبلن في أيرلندا، او مؤتمر في باريس مع سهرة في الطاحونة الحمراء و اخرى في الحصان المجنون.

و في أواخر صيف ١٩٩١ لا اعرف لماذا قررت ان اترك السيدة انّا و ابحث عن مكان أعيش فيه لوحدي. و فعلا و بواسطة بعض الأصدقاء و جدت شقة رخيصة في ضاحية غرب ميلانو اسمها "كوربتّا"، و التي كنت اسميها "خربتّا"، و سأحكي لكم لماذا.

كانت تعيش في هذه الشقة عائلة فرنسية ، اب و ام يعملان في التمريض، و ثلاثة أطفال. كانت الشقة الوحيدة في مبنىً منفصل و تقع فوق جراچ، و لذلك كانت باردة جدا، و تضرب فيها الريح العاتية من كل اتجاه. و تطل على حوش واسع و شقة اخرى منفصلة فوق جراچ آخر. الشقة كانت في حالة بائسة، قذارة بشعة و حوائط سوداء و روائح مغثية. وأنا اعتقد انني لم أقابل في حياتي ناس بهذه القذارة، و عرفت بعد ذلك ان الفرنسيين يعتبرون من اقل شعوب أوروبا اهتماما بالنظافة.

انتقلت برغم رجاءآت السيدة انّا ان أظل معها، و قضيت الأيام الاولى في تنظيف هذه الشقة و طلاء الحوائط و تأثيثها باللازم للحياة بعد ان رميت ما تركته العائلة الفرنسية من عَفش عِفش. بيضت الشقة لوحدي و كانت شغلانة متعبة جدا و لكن النتيجة كانت ممتازة. و للوصول لوحدة القسطرة اصبح علي المشي حوالي عشرة دقائق للوصول لمحطة الاتوبيس، ثم أخذ الاتوبيس لمدة ساعة تقريبا حتى ميدان "لوريتو" غرب ميلانو بالقرب من إستاد "سان سيرو" الشهير، ثم آخذ المترو و أغيره حتى اصل محطة الدوومو، ثم امشي حوالي نصف ساعة حتى وحدة القسطرة في قلب مجمع مستشفيات البولي كلينيكو.

و بدأ الشتاء و البرد اصبح اشد يوما بعد يوم و و رحلة الذهاب الى المستشفى أصبحت شاقة للغاية. تبدأ بالبرد القارص و الضباب الكثيف عند محطة الاتوبيس و تنتهي بالعودة التي كانت تستغرق أحياناً ثلاث ساعات بالبرد القارص و الضباب المستمر.

و في نهاية أسبوع رجعت لتريفيزو و اطفئت الدفاية المركزية للشقة للتوفير. و عدت الأحد حوالي منتصف الليل و درجة الحرارة في الترمومتر الموجود خارج باب الشقة كانت سبعة تحت الصفر. و كنت ميت من البرد و و أتوق بشدة لفتح الدفاية لتدفئة الشقة المتجمدة. و لكن هيهات لم استطع إشعال الدفاية و حاولت بكل الطرق فلم انجح. و اخيرا ادركت انني لن افلح في إشعالها و توقعت موتي وحيداً متجمداً في هذه الأصقاع النائية. و لكني وضعت كل ملابسي الصوفية و معطفي فوقي و وضعت كل البطاطين فوق السرير و فوقي و حاولت النوم و انا ارتجف من البرد. لم انم تقريبا و كانت ليلة سوداء و احسست انني فقدت أصابع اليدين و القدمين لأني لم لكن اشعر بهم.

و بصعوبة خرجت من الشقة في الفجر و ذهبت للبار القريب الذي كان يفتح في الخامسة صباحا و شربت كوب لبن سخن و شاي و قهوة حتى تدفئت و استطعت ان أتكلم و سألت صاحب البار، بعد ان حكيت له قصتي، عن اقرب سباك. فدلني على واحد و كلمته في التليفون فجاء مسرعا و ذهب معي للشقة. و كشف على الغلاية و تأكد أنه لا عيب فيها و ان المشكلة كانت ان المياه تجمدت في المواسير و لم تعد المياة تصل للدفاية فلم تعمل. و قال لي انني محظوظ لأن المواسير لم تنفجر لأن حجم الماء المتجمد اكبر من حجم الماء السائل و كان هذا من الممكن ان يحطم المواسير من الداخل . و نصحني بشدة ان اترك الدفاية مشتعلة حتى و انا غائب، ضابطاً درجة الحرارة على عشرة درجات مئويةً و ليس اقل.

و هكذا تعلمت درسا آخر كاد ان يكلفني حياتي.

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الخميس 01:17 صـ
16 شوال 1445 هـ 25 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:44
الشروق 05:18
الظهر 11:53
العصر 15:29
المغرب 18:28
العشاء 19:51