مدى إلزامية الإحالة إلى المفتي في الأحكام الصادرة بالإعدام
علاء سحلول المصريين بالخارجكتب : د.ماهر جبر
بادئ ذي بدء نود توضيح أن إحالة أوراق متهمين إلى مفتي الديار المصرية، لاستطلاع رأيه حول شرعية الحكم ضدهم بالإعدام، لا يعني صدور الحكم فعلاً. فالحكم لم يصدر بعد، ولا يمكن للمحكمة إصداره إلا بعد قرار الإحالة، وانتهاء المهلة المقررة لإبداء المفتي رأيه الشرعي في الحكم، فهو فقط قرار إحالة لأوراق القضية كما تنص على ذلك المادة ٣٨١ من قانون الإجراءات الجنائية (( لا يجوز لمحكمة الجنايات أن تصدر حكماً بالإعدام إلا بإجماع أراء أعضائها.ويجب عليها قبل أن تصدر هذا الحكم أن تأخذ رأي مفتي الجمهورية؛ ويجب إرسال أوراق القضية إليه؛ فإذا لم يصل رأيه إلى المحكمة خلال العشرة أيام التالية لإرسال الأوراق إليه؛ حكمت المحكمة في الدعوى)).
وقرار الإحالة إلى المفتي هنا المقصود منه إعطاء الحكم الصبغة الدينية فقط، واستطلاع رأي الشريعة الإسلامية من حيث اجازة الحكم بالإعدام في هذه القضية من عدمه، وذلك قبل النطق بالحكم فيها. ويجب هنا توضيح أن قرار الإحالة إلى المفتي إلزاميا على المحكمة، فإذا قضت في الواقعة دون إرسال أوراقها إليه، أو دون انتظار المدة المحددة لرده وهي عشرة أيام، فإن حكمها يكون باطلا بطلانا مطلقاً. وبالتالي فالمستفاد من نص المادة ٣٨١ إجراءات جنائية أن على المحكمة إرسال أوراق القضية إلى مفتي الديار المصرية إذا كانت عقيدتها تميل إلى إصدار حكم بالإعدام فيها. وإذا أمعنا النظر في النص السابق لوجدنا أنه لزاماً أيضاً على المحكمة، أن تنتظر مدة العشرة أيام التالية لإرسال أوراق القضية والمحددة للرد من المفتي، ذلك حتى تتيح له فرصة لدراستها وإبداء الرأي الشرعي فيها. إلا أن هذه المدة غالباً ما تكون غير كافية ربما لصعوبة القضية وكثرة أشخاص المتهمين، فيطلب المفتي سعة من الوقت، وفي هذه الحالة للمحكمة أن تمد أجل الحكم في الدعوى وبالتالي تعطيه موعداً آخر لتزويدها برأي الشرع في الحكم في الدعوى في موعدها الجديد. غير أن هذا لا يعني وقوع إلزام عليها بإنتظار رأيه بعد انتهاء المهلة المحددة قانوناً، أو حتى تقيدها به إذا وصلها في تلك المدة، ذلك أن رأيه استشاريا غير ملزم لها. فإذا تأخر في إبداءه فلها ألا تنتظره، بل لها أيضاً أن تطرحه جانباً ولا تأخذ به إذا وصلها في ميعاده، وتصدر حكمها وفقاً لعقيدتها سواء وافق على الحكم أو لم يوافق، بل الأكثر من ذلك أنها ليست ملزمة ببيان رأيه في الحكم أو الرد عليه أو مناقشته، إنما تكتفي بذكر أنها طلبت رأيه، وبالتالي تظل المحكمة هي صاحبة الحكم في الدعوى ولا يقيدها شيء في ذلك.
وقد يصل رأي المفتي إلى المحكمة في الموعد المحدد مؤيدًا لاعدام المتهمين، فهل يكون رأيه هنا إلزاميًا للمحكمة وعليها أن تأخذ به لمجرد اتفاقه مع ماتتجه إليه عقيدتها ؟ قولاً واحداً لا إلزام عليها في ذلك فلها أن تحكم بإعدام المتهمين، أو تحكم عليهم بعقوبات أخرى، فمجرد قرار الإحالة إلى المفتي لا يعني أن المحكمة لا تستطيع تغيير توجهها إذا ما ارتأت ما يدعو لذلك، فأعتقاد البعض أن قرار الإحالة هو حكم بالإعدام مؤجل حتى ورود رأي المفتي هو اعتقاد غير صحيح على الإطلاق من الناحية القانونية.
وأخيراً قد يرسل المفتي رأيه إلى المحكمة في الموعد المحدد بعدم جواز الحكم بالإعدام لمخالفته لقواعد الشريعة الإسلامية، في هذه الحالة تقوم المحكمة بإصدار حكمها كما ترى، فإن كان بالإعدام اشترط أن يكون بإجماع الأراء وأصبح للمتهمين الحق في الطعن على الحكم الصادر ضدهم بطريق النقض، ولمحكمة النقض إذا نقضت الحكم إحالته إلى دائرة أخرى أمام محكمة الجنايات لمحاكمة المتهمين، فإذا صدر الحكم بالإعدام أيضا كان للمتهمين الطعن عليه ثانية أمام محكمة النقض التي تتحول في هذه الحالة من محكمة قانون إلى محكمة موضوع تنظر الطعن وتحكم فيه، فإذا أقرت حكم الإعدام، وجب تحويل أوراق المتهمين للمفتي ثانية لاستطلاع رأيه خلال المهلة المحددة وهي العشرة ايام كما ذكرنا سابقاً.
إذًا مانود أن نخلص إليه من هذا المقال هو تأكيد خطأ الإعتقاد السائد لدى العامة بأن قرار إحالة أوراق المتهمين أمام محكمة الجنايات إلى مفتي الديار المصرية يعني تأكيد الحكم عليهم بعقوبة الإعدام. فذلك غير صحيح قانوناً لأن المحكمة عندما تصدر قرار الإحالة لم تكن قد أصدرت حكم في القضية بعد، وبالتالي لا يلزمها رأي المفتي بعد ذلك فقد يوافق على الحكم بالإعدام وتغير المحكمة عقيدتها وقد يرفض حكم الإعدام وتقضي هي به.، فرأى المفتي كما ذكرنا استشاري غير ملزم وإنما فقط لإعطاء الحكم الشكل الشرعي، واستكمالاً لإجراءات المحاكمة، كما نصت على ذلك المادة ٣٨١ من قانون الإجراءات الجنائية المصري.