×
12 شوال 1445
20 أبريل 2024
المصريين بالخارج
رئيس مجلس الإدارة: فوزي بدوي

صوت الصدى

صوت الصدى
صوت الصدى

بقلم : د.صلاح شفيع 

إن للجمال صوتاً ، وهل هناك أجمل من الجميلة ماوية ؟ لهذا يتنافس فيها المتنافسون ، وهي قد وضعت شرطها : 

ـ أنا لأحسنهم شعراً وأسخاهم يداً .. 

ولا يبقى في السباق إلا ثلاثة ، شاعر وجواد وطموح : النابغة وحاتم الطائي والنبتي ، ويذبحون ويطعمون الناس ، فالجميلة قد اشترطت أن تتزوج أجودهم وأشعرهم ، وفي المساء تستضيفهم الجميلة على مائدتها ليقول بعد الطعام كل منهم قصيدته . وهكذا جلس الثلاثة إلى المائدة ، وقدم الخدم طبقاً واحداً لكل واحد منهم عليه ملاءة بيضاء ، يرفع كل منهم الغطاء ، فيجد حاتم في طبقه طعاماً طيباً ، لكن لم يكن الآخران كذلك ، فقد وجد كل منهما في طبقه الذيل ، وبعض اللحم الردئ .. وانتفض الاثنان : 

ـ هذه إهانة ! 

تظهر ماوية ، فيتسمر الثلاثة في أماكنهم لشدة جمالها ، وقوة شخصيتها. تقول لهما .. 

ـ فيم غضبكما ؟ 

ـ إن كانت تريدين حاتماً فهذا شأنك ، لكن للناس أقدارها ، فكيف نضاف عندك بأخس اللحوم. 

ـ لكنى لم أقدم لكم شيئاً من عندي ، لقد تنكرت بالأمس ، وجئت كل واحد منكم على حده أستطعمه مما ذبحه للناس ، فأعطاني حاتم أجود ما ذبح ، وأعطيتماني من الذنب . وكنت قد عزمت أن أقدم لكم ما تعطونني .. فكل منكم أمامه ما أعطى ، ليس هذا طعامنا ، بل تلك صوركم التي رسمتموها بأنفسكم ، أطباقكم مرآة لكم ، فلينظر كل منكم إلى صورته جيداً .. فلتكن إهانة يا نابغة .. وأنت يا نبيتى ، فهل لى دور فيها .. تلك بضاعتكما ترد إليكما ..

أطرق الاثنان خجلاً .. 

 ـ إن حاتماً أكرمكم .. ووالله إنى لأعلم أننى لو أظهرت نفسي لكما لحصلت على أجود ما عندكما .. لكنَّ الكريمَ ما كان كريماً باطنا ظاهراً .

حُكِيت القصة بطريقة أخرى ، فقد طلب الملك من وزرائه الثلاثة أن يحمل كل منهم كيساً ويذهب إلى بستان القصر ، فيجمع للملك من طيبات الثمار والزروع ، فالأول أخذ كيساً كبيراً ، وجمع أفضل وأجود الثمار ، أما الثاني فكان يدري أن الملك لا يريدالثمار ولا يحتاجها لنفسه ، فلم يهتم بالانتقاء ، وملأ الكيس فحسب حسبما اتفق . أما الثالث فملأ الكيس بالحشائش والأعشاب وأوراق الشجر . أما الملك فلم ينظر إلى الأكياس فعلاً ،لكنه أمر بسجن كل واحد منهم في سجن منفرد مع كيسه لمدة ثلاثة أشهر ، وكل واحد يأكل من كيسه ، فأما من اتقن عمله ، فقد لاقى إحسانه ، فأكل أطيب الثمار ، والثاني عاش في ضيق لأنه كان يستبعد الثمار غير الجيدة في كيسه ، وأماالثالث فمات جوعاً . 

القصة الأخيرة يمكن أن تجعلها رمزية ، فيكون كيسك هو عملك الذي يصحبك في قبرك . وأنت الآن في الحديقة تجمع الثمار التى تحتاجها في سجنك . فأى مسلك تسلك ؟ وأي وزير منهم تكون ؟ 

الدنيا مرآة تعطيك ما تعطيها ، واقفةً إن كنت واقفاً ، وإن ضحكت فالمرآة ضاحكة ، الدنيا مرآة لك ، فكن لها الصورة التى تحب أن تراها . يحكى أن حكيماً مضى بابنه في واد عميق تحيطه جبال شاهقة ، فتعثر الطفل وسقط على ركبته صارخاً بصوت مرتفع : آآآآه ، فسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم :آآآآه .. صرخ الطفل متعجباً : من أنت ؟ فسمع القائل يرد عليه : من أنت ؟ قال له : أنا الذي أسألك ؟ سمع الآخر بنفس الحدة والجفاء : أنا الذي أسألك ؟ ولما اغتاظ الصبي : وقال له : أنت جبان ! إذ بالآخر يقول له : أنت جبان ! 

سكت الصبي ونظر إلى أبيه ، الذى صاح هو الآخر وقال : إني أحترمك ، فسمع الصوت يقول : إنى أحترمك ، نظر الأب مبتسماً لابنه ،وأكمل : أنت رائع يا عزيزي .. فسمع القول نفسه . وهنا التفت الأب لابنه : يابني هذا هو الصدى .. يكرر لك ما تقوله ، لكنه تجسيد للحياة . التى ستقدم لك عطاءك ، فإن قلت :أنت جبان ، ستسمع الإهانة ، وإن قلت أنت رائع : ستسمع الثناء. 

 ولو كل فرد قبل أن يفعل أي فعل تذكر قولة الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم : كما تدين تدان ، وأيقن أن كل فعل مردود عليه ، وعليه قبل أن يفعله أن يسأل نفسه أمستعد لاستقباله إن أُلقِى عليك كما تلقيه على غيرك ؟ وقتها غالباً ستحجم عن أفعال ستضايق غيرك ، وقطعاً كانت ستضايقك لما تردُّ إليك .. هذا هو العقل ، يحمي نفسك من نفسك ، ولهذا قيل إن أحد مبادئ العقل التي تميز العاقل بحق أن يسأل نفسه : ماذا لو حدث العكس ؟؟ ثمة مفكر كان ينكر البعث ، ثم قال لنفسه ؟ ماذا لو كنت على خطأ ؟؟ إن من يؤمن بالبعث لو كان على خطأ فلا مشكلة معه ، لأنه لن يُبَعث ، فماذا عني أنا ؟؟ ماذا لو كنتُ مخطئاً وكان هناك بعث ، إذن لذهبت في مصيبة ! هنا عدل عن عناده ، وقال : بل أستعد له ، فإن لم يكن موجوداً .. فلا ضير ، وإن كان موجوداً .. كنتُ مستعداً .. 

ولو أن الذين كذَّبوا الأنبياء قالوا لأنفسهم : ماذا لو كنا على خطأ ؟؟ وكان هذا النبي الذي نكذِّبه نبياً فعلاً ؟؟ إذن لنجوا . هناك أناسٌ أمسكوا العصا من المنتصف ، بعض رهبان نجران جاءوا للنبي صلي الله عليه وسلم يجادولونه في شأن عيسى عليه السلام ، فقال لهم تعالوا للمباهلة .. ندعو أنفسنا وأولادنا ونساءنا ، ونبتهل فنجعل لعنة الله علىالكاذبين .. أي أنتم تقولون شيئاً ، وأنا أقول شيئاً ، ولا سبيل للالتقاء ، فتعالوا نحكم الله بأن ينزل لعنته على الكاذب منا .. الرهبان لما رجعت إلى نزلها ، قالوا لأنفسهم : لعل الرجل نبي .. فتصيبنا اللعنة .. فذهبوا إليه وقالوا له : 

ـ لا حاجة لنا في اللعنة .. لك أو لنا .. اكتب لنا عهداً .. وندفع لك الجزية ! 

لقد نجوا وقتها من حلول اللعنة المؤكدة لأنهم طبقوا المبدأ الصحيح . 

 لقد كتب الله أن يكون للصوت صدى ، هو صورة طبق الأصل من الصوت ، وأفعالنا صوت لنا ، سترد إلينا . هل يمكن أن تقف في مرآة وتبصق فيها ؟ لا يمكن طبعاً ، فالحياة مرآة تعكس لنا وترد علينا ما نقدمه لها . ضحكة بضحكة أو بصقة ببصقة . فانظر ما تحبه لنفسك وافعله مع الآخرين . بني . الغد مزرعة اليوم ، وأنت كما يقول المثل العربي لا تجني من الشوك العنب ، فإذا أردتَ أن يكون حصادُك عنباً ، فلا تزرع شوكاً . 

كان محمد بن عبد الملك الزيات يقول : ما رحمتُ شيئاً قط ، وإنما الرحمة خورٌ في الطبيعة وضعف في البنية . وتمر الأيام ويأمر المتوكل بقتله ، ويضعه في تنور حديد ، فقال : ارحموني ياهؤلاء ، قالوا له قولته : الرحمة خور في الطبيعة وضعف في البنية . حقاً !! الأيام دول .

ثمة امرأة كانت تصنع الخبز لأسرتها كل يوم، وتصنع رغيفاً إضافياً لأي عابر سبيل جائع ، وقد نال الرغيف رجل فقير أحدب ، وتعوَّد في كل يوم أن يمر بالمكان ليجد رغيفه ، لكنه لم يقل أبداً شكراً ، بل كان يأخذ الرغيف وهو يقول : ” الشرالذي تقدمه يبقى معك،والخير الذي تقدمه يعود إليك!” .تضايقت المرأة لجحود الأحدب ، وأصبحت تقدم له الرغيف وهي مستاءةٌ منه ، فلما لم يغيّر موقفه ، قررت أن تضع في الرغيف مسهلاً شديداً عقاباً له . وأيضاً تناول الرغيف منها وهو يكرر قولته المعتادة ،وانصرف وهو لا يدرك سعادة المرأة الخفية بالاقتصاص منه .

في هذا اليوم يرجع ابنها الغائب من وقت طويل ، ملابسه شبه ممزقة ، يعاني من إسهال شديد ، 

ـ ماذا حدث لك يابني ؟

ـ كنت عائداً بعد أن فقدت محفظتي مشياً على الأقدام ، أصابني الإنهاك ، فقابلت رجلاً أحدب يحمل رغيفاً ، رجوته أن يعطيني جزءاً منه ، وكان الرجل طيباً ،فأعطاني الرغيف كله ، وقال لي : هذا طعامي كل يوم ، لكنك اليوم حاجتك أكبر من حاجتي . لكني لا أدري ماذا حدث لي من بعد ما أكلت ، إسهال مستمر ، أكاد أموت .. ربما لأني أكلته على جوع شديد .. 

أيقنت المرأة معنى كلام الأحدب ، وأن الشر الذي قدمته ، بقى معها ، في ابنهاالعائد . لكنها في الوقت نفسه حمدت الله أنه لم يكن سماً . وبدأت تعالج ابنها ، وهي واثقة في شفائه لأن الخير الذى قدمته كل يوم للأحدب لابد أن يعود إليها . 

أيها الصغير .. ما أروع رسمك ! 

هكذا قالت الأم لصغيرها وقد رأته أبدع على لوحته الصغيرة : 

ـ ماذا رسمت يا صغيري ؟ 

ـ رسمت بيتي عندما أكبر .. هذه غرفتي ، وتلك غرفة الأطفال ، وهذا المطبخ وتلك الحديقة .. 

ـ وما هذا المربع الصغير في الحديقة ؟

ـ هذه غرفتك يا أمي .. 

ـ ولماذا وضعتني في الخارج ؟؟ 

ـ ألم تضعي جدي في الخارج حتى لا يزعجك بصراخه ، أنا أيضاً سأضعك في الخارج لكي لا تزعجينا بصراخك .. 

وقتها رآت شين فعلها ، فهرعت على الفور إلى أفضل غرفة في البيت ، وأفرغتها لأبي زوجها ، وهكذا احتاطت لنفسها مما هو قادم يقيناً في الغد . 

لذلك لما كنتُ في صلاة الجنازة ، قال الإمام ، اخلصوا في الدعاء للميت كأنه أنتم .. من يومها تعودتُ أن أخلص الدعاء ، لأحظى يومها بمن يخلص لي الدعاء !

أراد أن يقدم لزوجته هدية جميلة تعجبها ، فكان لابد أن تختارها بنفسها ، وهذا يفسد المفاجأة ، لذلك صحبها إلى محل الهدايا ، وقال لها : أريدك أن تختاري لأمي أجمل هدية حسب ذوقك . الهدية لها ، وهي لا تدري ، وهي التي ستختار ، نيتها هي من ستختار لها ، فلو أحبت الخير لحماتها لفازت بالخير ، ولو أضمرت البخل واختارت شيئاً قليلاً ، فقد بخلت على نفسها ، لو تحركت مشاعرها السلبية ، وأرادت أن تبخس الأم ستختار أقل هدية قيمة ، ولو تحركت مشاعرها الإيجابية ، ورأت في حماتها أمها ، ستختار أعلاها قيمة .. المهم هي سترجع تحمل هدية عبارة عن نيتها ، لأنه في المساء ، لن يفتح زوجها الهدية ، بل سيقدمها كما هي لها .. تفضلي يا حبيبتي ، لم أجد أجمل من هدية تختارينها بنفسك . 

 ثمة قصة شهيرة للكاتب الإنجليزى تسمى “صورة دوريان جراى” ، تحكى عن رجل كان يفعل ما يريد ولا تظهر أفعاله على وجهه ، بل يظل وجهه ملائكياً ، في حين تظهر حقيقته على صورة له ، هي المرآة الحقيقية له ، ومضى دوريان جراي يفعل ما يريد ، ويخدع الناس بوجهه الملائكي ، حتى دخل في يوم إلى المخزن حيث توجد صورته فوجد صورة بشعة لا تحتمل ، هى وجهه الحقيقي ، فلم يحتمل أن ينظر إليها فمزقها بسكين ، وهنا ظهرت صورته الحقيقية على وجهه ، لتفر الناس منها مذعورة . 

القصة مفاداها أن صورتك الحقيقية قد لا تكون تلك الصورة التى تطل من وجهك . بل ربما هناك في مكان آخر ما ينطق بالوجه الحقيقي لك . إن الصورة الحقيقية لمقاول غش في مواد البناء ، أو رجل أعمال أدخل أغذية فاسدة لبلده ، أو مجرم حرب ارتكب مذابح ضد المدنيين ـ هذه الصورة الحقيقية ليست التى وضعها في حجرة جلوسه ، تحمل ابتسامة بريئة وبدلة أنيقة ، وليست التى تطل من جريدة في إعلان جميل أو تبرع في نواحى الخير ، لكنك يمكن أن تراها في هؤلاء الضحايا الذين وقعت العمارة فوقهم ، وفي هذه الأجساد الزرقاء التى أهلكتها الأغذية السامة ، وفي تلك المقابر الجماعية التى احتوت على عشرات المئات من الأبرياء . 

عندما أنظر إلى صورة الرئيس هارى ترومان تقفز إلى عينى صورة أخرى هى صورة ضحاياه في هيروشيما ونجازاكى ، وعندما أنظر إلى صورة الملك فاروق تقفز إلى عينى صورة أخرى هى ما أحدثته الأسلحة الفاسدة . إن صورة دوريان جراي هى الصورة الحقيقية للإنسان لأنها ترجمة لأفعاله وليست ترجمة لشكله وثيابه . فأين صورة النائب أو المسئول عن مدينة مثل مدينتنا التى أشعر أنها قطعة من العصر العثمانى في القرن الثامن عشر ؟ هل هى صورته التى يراها في المرآة قبل أن ينزل ويركب سيارته ؟ أم هى الصورة المليحة التى يرسمها له من حوله ؟ لا شك أنه سيرى صورة ملائكية ، لكنها ليست صورته الحقيقة ، فإذا أردنا أن نرى صورة دوريان جراي ( الوجه الحقيقي للمرء) فلنذهب إلى المخزن ، ونرى صورته التى تحمل أفعاله ، والمخزن ليس بعيداً، وليس خفياً ، إنه مكشوف في الهواء الطلق . هذه الصورة هى صورة المدينة التى سيادته مسئول عنها ، فإن كانت مثل مدن كثيرة تجسّد الصورة المثلى للإهمال والتخلف وتتميز بصورة قاتمة تظهر في سوء طرق ، وزبالة في كل مكان ، وظلام ، وماء غليظ يحتوى على أشياء أخرى ، وإهمال لكل مشاكلها . فتلك هي صورة دوريان جراي الحقيقية . وهى صورة بشعة لرجل اختارته بلده ليعبر عن همومها فباعها لصالحه الشخصى ، وهو أمر مؤسف أن نجد كبيراً يبتلع بلده ، في حين يستعد جندى صغير أن يموت من أجلها .  

عزيزى دوريان جراي ، كما تحرص على الظهور بأناقة تفوح منك الرائحة الطيبة ، ويهل النور من وجهك الجميل ، وأن تبدو متسع الصدر ، سوى الكلام ، فإن العيون ترى لك صورة أخرى في أرض بلدك ، فهلا جعلتها في أناقتك ونورك ونظافتك . لو تأكدت أن بلدك مرآتك وصورتك الحقيقية ، يقيناً لن تهملها كما هى الآن . 

كان اثنان في واحد ، هو شخص واحد نعم ، لكن له وجهان ، الأول ماجن يستبيح حرمات الآخرين ، والثاني شيخ يحرص أشد الحرص على حرماته ، لا مانع عنده أن يعرف أي فتاة حتى لو كانت أخت أعز أصدقائه ، لكن لا يسمح لأحد من أصدقائه أن يعرف شيئاً عن أخته ، وإذا استضاف أحداً ، فالبيت في حالة طوارئ ، ويجب أن يدفن الجميع رأسه حتى يخرج الضيف . أكان بذلك يحافظ على أخته فعلاً ؟؟

إن الحفاظ على عرضك ليس أن تحفظ أختك أو زوجتك في قمقم ، فهذا لا يحميها ، بل الوسيلة الوحيدة للحفاظ عليها أن تحافظ على أخريات الآخرين ليحافظوا لك عليها . 

ثمة فتاة شديدة الجمال ، كأن الاحترام الذي تظهر به أمام محيطها الذي يعرفها (مسك) بمجرد أن تطمئن أنها في مكان لا يعرفها فيه أحد حتى تبادر بخلع المسك ، وهكذا كانت اثنتين ، كأنها تعيش حياتين ، خطر في بالها أن تكرر قصة السندريلا في فيلم شروق وغروب .. 

وهكذا كانت تعرفه ، لكنه لا يعرفها ، اتصلت عليه ، ولأنها البادئة ، فقد تم التعارف سريعاً ، وعرض عليها أن تقابله في مكان عام ، قالت بدلال : 

ـ الناس تراني !

ـ إذن في الشقة .. !

    لعله تفاجئ لما لم ترفض ، وقالت .. 

ـ والله فكرة .. ! الشقة مناسبة وغير مناسبة ، مناسبة لكي لا يراني أحد ، وغير مناسبة لأننا سنكون وحدنا ، إلا أن وعدتني أن تكون مؤدباً ..

كان ثمة اختلاف بينها وبين السندريلا في الفيلم ، أن سعاد حسني ( مديحة ) كانت متزوجة ، وكان الوقت المتاح للعب من وراء زوجها الليل ، لأن زوجها لا يحضر إلا في الصباح ، أما هي فهي غير متزوجة ، والوقت المتاح للعب من وراء أهلها بالنهار ، الكلية ، ومحاضرات متأخرة ، وكورس بعد الكلية ، ومواصلات زحمة .. كما أن القناع أو المسك يلعب دوراً كبيراً في عدم القلق منها .. 

كانت تتذكر الفيلم وهي تركب الأسانسير ، البطلة مديحة كانت كانت ابنة باشا ، لا تمانع أن تتسلى ، أعجبها أن تتقمص شخصية بنت الأكابر ، ابتسمت لما تذكرت مصير السندريلا ، لما نزل رشدي أباظة ليحضر لها شمبانيا بعد أن أغلق عليها باب الحجرة ، وباب الشقة حتى لا تخرج ، فتضربه سيارة ، وينقل إلى المستشفى ، ويجن جنونه ، يريد أن يفتح لها لترجع إلى بيتها قبل أن يرجع زوجها في الصباح ، يحافظ على حياتها الظاهرية ليقابلها بعد ذلك كما يشاء .. 

تعالوا بنا نتخيل تلك الفتاة وقد انتابتها رغبة التوحد بالجميلة مديحة في هذا الفيلم ، تصر أن يذهب رشدي ليأتي بشمبانيا ، يقول لها : أنت جميلة وسهلة ،لكني سأغلق عليك حتى لا ترحلي .. تبتسم بلا مبالاة وتقول له .. 

ـ ـ آه .. وتصدمك سيارة .. وتعمل لي رشدي أباظة .. ! 

ـ متزوجة ؟

ـ نعم ! ولا كنت فاكرني بكراً ؟؟ 

ـ أنا أحب المتزوجات ! لكن .. 

ـ لكن ماذا ؟؟

ـ أشعر كأنك تعرفينني ولا أعرفك ، كأنك امرأة أحد أصدقائي .. 

ـ آه .. ويهبط علينا .. وتبقى فضيحة ! 

ـ لا ، اطمئني .. لا أحد من الشلة يقتحم على الآخر موعده .. نحن في أمان ! 

ـ إلا أن ضربتك سيارة ، ورحت المستشفى ، وأرسلت زوجي .. يطلعني من هنا ! 

ـ على فكرة أنت جميلة مثلها .. 

ـ من ؟ سعاد ! 

ـ نعم ! 

ـ ألن تأتي بالشمبانيا ؟؟؟ 

ـ طيارة ! 

   كانت مستمتعة بدور السندريلا ، وحتى لما تذكرت المصير البشع وسمير زوج السندريلا يجرجرها شبه عارية ، ويركبها السيارة ، وهي تستحلفه ألا يفضحه ، ثم يرمي بها عند أقدام أبيها الباشا .. 

ـ بنتك طالق يا باشا .. أحضرتها من سرير أعز أصدقائي ! 

ـ أنا موافقة على كل ذلك .. لكن .. أبقى بنت باشا .. ! 

تعالوا بنا نتخيل أن رشدي لم يرجع بالشمبانيا ، وعمل حادثة فعلاً ، لكنه أصاب رجلاً وسيق إلى قسم الشرطة ، وهو يتمتم منها لله ، فولت علينا ، تريد أن تتوحد بالسندريلا ، وها قد توحدت أنا برشدي ، ستظل السندريلا محبوسة في البيت .. ماذا يفعل ؟؟ أيرسل لها أحد أصدقائه ، فتكون امرأته .. وتكتمل المأساة فعلاً ، إذا طلعت زوجته ، ويتكرر المشهد سين هذه المرة في الحياة ، وهنا تفتق ذهنه أن يختار صديقاً غير متزوج ، يدري أنه دون جوان ، وأنه لا يمكن أن يترك هذه الفرصة ، وهي غالباً لن تقول لا ، لأنها ربما من تريد ذلك .. لما حكي له القصة .. 

ـ غروب وشروق .. السندريلا .. 

ـ لا تضيِّع الوفت .. تبقى في فمك وتقسم لغيرك ، حلال عليك .. يا ابن المحظوظة ! 

ـ وهي ؟ 

ـ إنها من النوعية التي لا تقول لا أبداً لأي أحد ، يا بني هى من اصطادتني .. !

 لابد أنها نامت .. لما انتظرت طويلاً ، وفتحت عينيها مع فتح الباب ، فلا تجد زوجها لأنها ليست متزوجة ، لكن لتجد أخاها .. !

ـ يا بنت الكلب .. أنتِ !

      لا تسأل عما حدث ! أسيقتلها ؟؟ الحقيقة إنه إن يقتلها لا يضيف جديداً ، فقد قتلها من زمن ، لقد صنع جداراً ووضعها وراءه ، واطمئن أن لا أحد يصل إليها ، ولم يدر أن الجدار قد يمنع من يحاول أن يتسلقه ، لكن ماذا عنها هي ؟ ماذا لو تسللت من وراء الجدار ؟ هذا ما حدث منها ، لقد سعت بنفسها لترمي نفسها في شباك صديقه دون أن تعرفه بنفسها . 

هي وصلت هنا ، لأن أخاها استدرج أخرى إلى هنا ، هي تعرت في انتظار أي أحد ، لأنه كان لا يرحم أية فتاة حتى لو كانت أخت أعز أصدقائه .. هي بهذا العري لأن العري صوته ، وهي صداه ، لم يكن يقتلها حين يقتلها ، بل يقتل نفسه ، ولم تنزف دماً أسود ، هو من نزف ، كان يسيل منه كل دماء الآخريات ، لأول مرة يقف أمام مرآته ، فلا يرى إلا كوم قمامة ، لا يحتمل أن يرى صورته البشعة التي لم يرها بتلك البشاعة إلا لما حصل على مرآة حقيقية .. دوريان جراي لما رأى صورته التي كانت تستقبل قبائحه ، لم يحتمل رؤيتها ، انهال على اللوحة بالسكين يمزقها ، لكن هل تمزيقها يغير من الأمر شيئاً ، هي صورته ، وقد رآها ! هل لما فقأ أوديب عينيه .. اختفت الحقيقة ، أم مازال يراها ؟؟ 

ما ظلمته ، لكنه ظلمها مرتين ، ما كانت إلا بضاعته ترد إليه .. ولعله لو كان عفاً لكانت في أمان دون أي جهد منه . فما نساؤنا إلا مرآة لأفعالنا ، فمن أراد أن يصون عرضه فليحافظ على عرض الآخرين .. ثمة امرأة لما رجع زوجها إلى البيت .. قالت له : 

ـ ناشدتك الله ألا صدقتني ؟ ما الذي فعلت اليوم من الذنوب ، أقرصتَ كتف امرأة ؟ فدهش الرجل وقال : نعم ، من أين علمتِ ؟ 

قالت : قد قُرص كتفي .  

كانت هبة الله طالبة في الصف الأول الجامعي ، وذهبت في رحلة إلى مواقع أثرية ، وجاء وقت الرحيل ولم تنتبه ، كانت ترسم ما تراه ، رجعت متأخرة ، وضلت طريقها إلى مكان الحافلة .. ووجدت نفسها في مكان منقطع .. لابد أن الحافلة انتظرتها طويلاً ، ولما لم ترجع ، مضت .. أخذت تسير وهي خائفة .. 

 كان ثمة خوف على أبيها لما لا ترجع إليه ، لكن كان هناك خوف آخر شغلها عن هذا الخوف ، أنه الليل ، ولا تعرف أحداً . ازدادت خوفاً وهي تسمع صوت الذئاب ، ثم رأت كوخاً صغيراً ، وفرحت .. ومنَّت نفسها أن تجد أباً مثل أبيها .. لكنها لم تجد إلا شاباً .. قصَّت عليه قصتها .. ولسان حالها يستحضر قصة العذراء مريم : 

ـ إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً .. ! 

ـ حسناً نامي .. وفي الصباح أساعدك على العودة .. نامي أنتِ على السرير ، وأنا سأنام على الأرض .. !

كانت خائفة جداً ، لا تصدق أن يأتي عليها اليوم لتنام هي وشاب لا تعرفه وحدهما في مكان منقطع ، لو صرخت مهما صرخت لن يسمعها سوى الذئاب .. أيمكن أن يكون هذا الشاب يوسف ، فلا يقربها ؟ لعله من الممكن ألا يفعل خطيئة .. لكن .. وجودها معه .. قد يشجع من لا يفكر في خطئية لها . 

مازالت حتى الأن في آمان ، لكن الليل طويل ، ولابد أنه غير متعجل ، فأنى لها الهرب منه ، أينتظر حتى تنام ؟؟ يجب إذن ألا تنام ، لكن هل يقظتها ستحميها لو أرادها بسوء ؟ لا نجاة لها منه إلا به .. وهو يقرأ .. تحت ضوء شمعة .. ثم يطفأها بإصبعه ، ويرجع ثانية فيشعلها ويعاود القراءة ، ثم يطفأها مرة أخرى بنفس الطريقة ..لقد احترقت أصابعه .. أيكون من الجن ؟؟ 

في الصباح لم تصدق نفسها ، وهو يمضي بها ويركبها الحافلة .. فلما عادت إلى البيت حكت لأبيها كل القصة .. لقد تعودت أن تقول له كل شيء .. 

ـ قبل الأب جبين ابنته .. 

، الحمد للرب على رجوعك سالمة .. 

ـ والله يا أبي .. 

ـ هبة .. لا تقسمي .. ما كان ليحدث لك شيء .. أنا واثق فيك ، وواثق قبلك في الله .. سلي أمك ..ماذا قلت لها ؟ 

ـ قال .. ابنتي ستجد عملي .. !  

   ومن فوره مضى الأب إلى الشاب ، يريد أن يعرف لماذا كان يفعل ذلك ؟ رأى أصابعه الخمسة ملفوفة بقطع قماش .. فسأله الأب : 

ـ ماذا حصل لأصابعك ؟؟ 

ـ بالأمس حضرت إلى فتاة تائهة وباتت عندي ، وكان الشيطان كل مرة يأتيني فأقرأ كتاباً لعل الشيطان يذهب عني ، لكنه لم يذهب ، فأحرق إصبعي لأتذكر جهنم ، ثم أعود إلى النوم فيأتنيني الشيطان مرة أخرى ، فعلت ذلك حتى أحترقت أصابعي الخمسة .. 

ـ أتعرف من أنا ؟؟ 

ـ أبوها ؟؟ 

ـ نعم .. ولن أجد خيراً منك زوجاً لها ..

ـ يا الله .. ! 

   إننا نطعم نياتنا ، وهذا الشاب صان نفسه عن الحرام ، فأبدله الله به حلالاً . وهاهو أمير قد خرج للصيد ، فرأى في البرية بستاناً وعنده صبي ، فطلب منه ماء ، فقال الصبي ليس عندنا ماء ، فقال : ادفع لي رمانة ، فدفعها إليه ، فاستحسنها فنوى أخذ البستان ، ثم قال له : ادفع لي أخرى ، فوجدها حامضة .. قال : 

ـ أليست هي من الشجرة نفسها ؟ 

ـ بلى .. 

ـ كيف تغير طعمها ؟ 

ــ لعل نية الأمير تغيرت ، فرجع عن ذلك في نفسه ، ثم قال : ادفع لي أخرى فدفع إليه ثالثة .. فوجدها أحسن من الأولى .. 

ـ كيف صلحت ؟ 

ـ بصلاح نية الأمير ..

استطلاع الرأي

أسعار العملات

العملةشراءبيع
دولار أمريكى​ 29.526429.6194
يورو​ 31.782231.8942
جنيه إسترلينى​ 35.833235.9610
فرنك سويسرى​ 31.633231.7363
100 ين يابانى​ 22.603122.6760
ريال سعودى​ 7.85977.8865
دينار كويتى​ 96.532596.9318
درهم اماراتى​ 8.03858.0645
اليوان الصينى​ 4.37344.3887

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 2,069 شراء 2,114
عيار 22 بيع 1,896 شراء 1,938
عيار 21 بيع 1,810 شراء 1,850
عيار 18 بيع 1,551 شراء 1,586
الاونصة بيع 64,333 شراء 65,754
الجنيه الذهب بيع 14,480 شراء 14,800
الكيلو بيع 2,068,571 شراء 2,114,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

السبت 10:13 صـ
12 شوال 1445 هـ 20 أبريل 2024 م
مصر
الفجر 03:51
الشروق 05:23
الظهر 11:54
العصر 15:30
المغرب 18:25
العشاء 19:47