الماسة لاتزال في يدي

بقلم : د.صلاح شفيع 

الحياة كما تحب أن تراها ، ليس مهماً أن تكون الفتاة التى تحبها أجمل النساء ، يكفي أن تراها أنت أجمل النساء . قد لا يكون لديك قصر الملك ، لكن الملك قد لا يملك عينيك التى ترى في الشمس التى تدخل بيتك ذهباً ، وفي النسيم الذي يتجول في ردهاته أغلى عطر . 

يوماً ما ، تعثر صياد بشيء ما كان عبارة عن كيس مملوء بالحجارة الصغيرة ، جلس الصيادعلى شط النهر ، في انتظار سطوع الشمس ليبدأ عمله ، بدأ الصياد يسلى نفسه ويرمى الحجار الصغيرة حجراً وراء آخر مستمتعاً بصوت ارتطام الحجارة بالماء . سطعت الشمس وأنارت المكان ، وكان الصياد قد رمى كلّ الحجارة ماعدا حجراً واحداً بقي في كف يده، وحين أمعن النظر فيما يحمله.. لم يصدق ما رأت عيناه لقد.. لقد كان يحمل ماساً !!

رباه ، لقد رمي كيساً كاملاً من الماس في النهر ، فأخذ ييكي ويندب حظه التعس الذي جعله يرمي بثروة كبيرة كانت ستقلب حياته رأساً على عقب في النهر ، لكنه وسط العتمة رماها كلها دون انتباه ، مر به شيخ يسبح الله .. 

ـ ما لك يا بني .. ؟!

ـ أنا أغبى البشر ، كيس كامل من الماس ، ظننته قطعاً من الحجارة ، ظللت أرميها في النهر دون أن أدري ، أضعت على نفسي ثروة هائلة بغبائي، لم يبق معي إلا واحدة ! 

ـ يا بني ، يا لك من محظوظ ، إن ثمة ماسة في يدك .. تخيل لو أنك وجدتَها الآن وحدها ، ماذا ستفعل ؟ ستطير من الفرحة ، كن كذلك ، ما فاتكَ ليس لكَ ، فلا تأسَ عليه ، وما أدراك ، لعل الكيس كان كله حجارة صغيرة وماسة واحدة .. بالله عليك لو كنت ترمي هذه الحجارة في وادٍ ، وليس في الماء ، وسطعتْ الشمس فوجدتَ كل ما ألقيته ليس إلا حجارة ، ومازالت الماسة في يدكَ أو قريبة منكَ ، هل كنت ستكون بهذا الغم ؟ أم ستطير فرحاً وأنت ترى ماسة وحيدة تسطع بين الحجارة . 

إن إشراقة الشمس على رجل في يده ماسة ، يجعله يهلل ،أويجعله يندب حظه ، فلو ظن أن الكيس كله من الماس سيندب حظه ،ولو أو هم نفسه أن الكيس لم يكن إلا حجارة وقطعة ماس واحدة سيتهلل . الموقف واحد ،ورد الناس متباين ، والصواب أن تكون النوع الثاني . فالسعادة في النهاية قرار .. 

حقاً إن الموقف الواحد ، وتفاعلات الناس مختلفة ،إن ثلاثاً من الأواني المملوءة بالماء على نار ساخنة ، هذه المياه التى تغلى ، لو وضعت في واحدة جزرة ،وفي الثانية بيضة، وفي الثالثة : بعض حبات الفهوة المحمصة والمطحونة (البن) ، كل منها يواجه خصماً واحداً هو الماء المغلى ، لكنه يتفاعل معها تفاعلاً يختلف عن الآخر ، فلانت الجزرة الصلبة ، وتماسك السائل داخل البيضة فأصبحت صلبة ، وغيّرت القهوة المطحونة الماء نفسه . 

 خرج سالم يبحث عن حظه ، وقد مر في طريقه بأسد وملك وفلاح ، كل واحد منهم عندماعلم أنه ذاهب لمقابلة حظه حمَّلوه أن يسأل الحظ لهم : 

قال الأسد : إذا قابلتَ حظكَ ، فاسأله لماذا كلما أكلتُ ازددتُ جوعاً ؟ وقال الملك : لو قابلتَ حظكَ ، فأسأله لماذا أهل مدينتي تعساء فقراء؟ وقال الفلاح : اسأل لي حظكَ ، لماذا تموت أشجار حقلي ولا تثمر ؟ 

ومضى الشاب في طريقه ليصل إلى حظه ، وأجاب الحظ على أسئلته .. ورجع الشاب ، فمر على مدينة الملك ، فأخبر الملك : 

ـ إجابة الحظ عن سؤالكَ أيها الملك : 

ـ مملكتكَ مفلسة ، لأنكَ امرأة تخفي حقيقتكَ ، وتتنكر بزي الرجال ، وليس عندكَ خبرة في الحكم. 

بُهِتَ الملك وكشف عن شعره ، فإذا به امرأة بارعة الجمال ، قالتْ للشاب : 

ـ كلام حظكَ صحيح ،ولا يعرف هذا السر إلا أنتَ ، وأنا أعرض عليك أن تتزوجني وتكون الملك ، وتملك الثروة والجمال والحظ !  

رفض الشاب : 

ـ لقد قال الحظ أنه في أدراجي .. لذا سأرجع إلى بيتي حتى يلحق بي !

وقابل الفلاح ، فأجاب عن سأله :   

ـ إن تحت حقلكَ كنزاً كبيراً وثروة هائلة هي التى تمنع الأشجار من الإثمار ، فأسرع الفلاح وأحضر فأساً وحفر الحقل ، فوجد كنزاً كبيراً وثروة لا حدود لها ، ففرح الفلاح وعرض علىالشاب : لك نصف هذاالكنز لأنك دللتني عليه . فرد عليه الشاب : 

ـ بل سألحق ببيتي ، فالحظ في أعقابي !

وقابل الأسد في الغابة ، فاستفسر الأسد منه : هل أيقظتَ حظكَ ؟ أخبره الشاب بالقصة ، وحكي لهما كان بينه وبين الملك ، والفلاح . 

ـ فماذا قال لك الحظ عني ؟

ـ قال لي : ينصحكَ حظي ، ويقول لكَ لو وجدت رجلاً غبياً فكله فوراً ! 

قال الأسد : 

ـ أيها الغبي ، لقد كان حظكَ في أدراجكَ طيلة الوقت ، كان يلحق بكَ والملك يعرض عليكَ مملكته ، وكان معكَ والفلاح يعرض عليكَ أن يقاسمكَ ثروتكَ ، فلما وجدكَ غبياً ، انصرف عنك ..وانقلب عليكَ وألقاكَ لي ، فأنتَ حظي ، ولن أجد أغبى منكَ لالتهمه ! 

قد تكون السعادة في يدكَ الآن ولا تدري ،يقول جيمس شارب : كثيرون يدورون بحثاً عن السعادة ،كالرجل التائه الذي يبحث عن قبعته بينما هي فوق رأسه أو في يده . أو كما يقولون : لعلك نسر وأنت لا تدرى ، فما أدراكَ لعل بيضة نسر سقطت في عشة دجاج ، لن تعرف أنكَ مختلف عنهم إلا لو حاولتَ أن تخالفهم . 

ثمة أصوات داخلك تخبرك بما يمكن أن تكونه ، فمهما كانت خيالية ومستحيلة ، ما ضركَ لو استمعت لها ، ومضيت وراءها ، فلن تخسر شيئاً ، حتى لو لم تصل ستكسب جمال الرحلة ، ولن تعرف أنكَ من أهل هذا المكان الذي يناديكَ إلا إذا مضيتَ إليه ، فما أدراكَ ، فلعلكَ تصل ؟! لا تضع يدكَ على خدكَ ، تحرك ، فلعلكَ تصرخ : أنا عظيم ، ولم أكن أتصور ذلك .. 

 فوجئ إبراهيم بن أدهم بصديقه شقيق البلخي الذي ودّعه بالأمس إلى رحلة تجارية قد عاد سريعاً ، فسأله عن سر رجوعه مبكراً .. 

ـ رأيت في سفري عجباً فعدلت عن الرحلة.

 قال إبراهيم: ماذا رأيت ؟ 

 قال شقيق: أويتُ إلى مكان خرب لأستريح قليلاً، فوجدتُ طائراً كسيحاً أعمى، فعجبتُ، كيف يعيش هذا الطائر الكسيح الأعمى ومن يطعمه في هذا المكان الخرب النائي وهو لا يُبصر ولا يتحرك؟ ثم لم ألبث أن رأيتَ طائراً آخر يحمل له الطعام في اليوم مرات، حتى يكتفي ! فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر الكسيح الأعمى قادرٌ على أن يرزقني ، فقعدتُ من ساعتي وألغيتُ رحلة التجارة ! 

 فقال إبراهيم بن أدهم: عجباً لك يا شقيق ! لمَ رضيتَ لنفسكَ، أن تكون ذلك الطائر الكسيح الأعمى، الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترضَ لها أن تكون الطائر الآخر الذي سعى على نفسه وعلى غيره من العميان والكسحاء ؟ أما علمتَ أن اليد العليا خير من اليد السفلى ؟ 

 فقام شقيق، إلى إبراهيم، وقبل يده وقال: أنتَ أستاذنا يا أبا إسحاق. إنك لا تدرى قيمة النعمة إلا بفقدانها ، وقد تكون السعادة في يدكَ دون أن تدري . وقف مدرب الجودو ، يقول لتلاميذه تلك أقوى حركة في الجودو ، وصدها الوحيد أن يقوم الخصم بالإمساك والسيطرة على ذراعكَ اليسرى . 

لم يكد يقول ذلك حتى انتبه أن ثمة صبياً في العاشرة من عمره بين اللاعبين ، ويفقد ذراعه البسرى ، أحس بالحرج لما سبّّبه للصبي من حرج ، ولاحظ أن الصبي ينزوى عن الجمع ، ويكاد لا يسمع شيئاً ، وربما إذا انصرف لا يحضر ثانية ..

عندما انتهى المران ، نادى الصبي ، وقال له : 

ـ أما أنتَ فأنتَ البطل ، وهذه اللعبة خلقتْ لك ، لا تحتاج سوى أن تتقنها ؛ لأن الخصم لن يستطيع أن يصدها ، لأنك إن تمكنتَ منه ، وحاول أن يفلت منكَ بالسيطرةعلى ذراعكَ اليسرى ، لن يجدها ،وهنا تنتصر ، يابني .. لقد وهبتكَ الطبيعة ميزة زائدة في لعبة الجودو ، بفقد ذراعكَ ! وهكذا كانت أكبر نقطة ضعف للصبي هي أكبر نقاط قوته.

 أحياناً نرى أن لدينا بعض نقاط الضعف وقد نسخط على نصيبنا ، أو على الظروف ، أوعلى أنفسنا بسبب ذلك، لكن لنعلم أن ضعفنا يمكن أن يصبح مصدر قوتنا في يوم ما. لا تشغل بالك بما معك وما ليس معك ، ولا تشعر بدونية ، فليس عليك إلا أن تحاول أن تقدم أفضل ما لديك ، وقتها فأنت تتربع على عرش الكمال !