رغم كل المآسي..سيبقى الشعر.. دومًا
علاء سحلول المصريين بالخارجبقلم : د.أحمد سماحه
نفس ما قال به "توماس لف بيكول" في بداية القرن الثامن عشر من أن الشعر قد ذهبت فائدته وأنه في عصر المعرفة والعقل والاستنارة لا يأوي إلا إلى الخمول والخرافة ـ قال به أحد الزملاء الشعراء بأسى بالغ ونحن نقيم حوارنا حول الشعر والغموض الشعري.ولإيماني البالغ بدور الشعر المستمر استمرار البشرية وقيمته فأنني لم أشأ أن اجعل من نفسي "شللي" آخر لأقيم دفاعًا عن الشعر كي أبرهن على فائدة الشعر وقيمته التي يدور حولها الحديث من "أفلاطون وأرسطو" وحتى الآن ولا أملك أن أضيف الجديد إلى ماهية الشعر، هذا الفن الذي يمتلك أدواته وتكنيكه الغامض الذي يختلف تمامًا عن النثر.
وأننا إذا تمثلنا ما قال به أفلاطون "القصيدة صورة الحياة ذاتها، كما تتمثل في حقيقتها الخالدة" وما قال به أرسطو من أن "الشعر أكثر فلسفة من التاريخ لأنه يصور المحتمل والعام لا الممكن والخاص".
وما أكده وردذورث وكولردج حول "أهمية اللذة في الشعر" وما قال به شيللي من أن الشعر والمنفعة الذاتية التي يعتبر المال تجسيدًا لها، هما وجه العالم وشيطانه.
وما نلمسه من اختلاف الشعر عن باقي الفنون الأخرى تجاه الجمال والخيال.. إنما تبين لنا مدى اهمية الشعر للإنسان وللحياة.
إن الانسان مع التقدم الرهيب والهائل في شتى مجالات العلوم في حاجة ماسة إلى إقامة التوازن بين العالم الخارجي الذي استطاع إلى حد ما السيطرة على بعض أموره وبين العالم الداخلي الذي فقد اهتمامه به.. هذا التوازن لم تفلح الفنون الأخرى في إقامته بدون الشعر.. ومن يقول بوجود "اللغة" كأداة للتوصيل ويلغي دو الشعر لا يعرف على وجه التحديد إن كلمة "اللغة" تقودنا إلى مصطلح "الإشارة"وكلمة الشعر تقودنا إلى مصطلح "الإيحاء" وإن كان للمصطلحين مرجع واحد إلا أنهما يختلفان فالإشارة تميز كما يقول جون كوين "رد الفعل الإدراكي والإحياء يميز رد الفعل العاطفي اللذين يثيرهما تعبيران مختلفان عن موضوع واحد ووظيفة النثر ادراكية أما وظيفة الشعر فإيحائية ونحن لا نستطيع بأية حال الاستغناء عن إحداهما فالشعر هو الشكل الأكثر رقيًا وسموًا للعاطفة عن النثر.
إن موضوع حقيقة الشعر لم يعد مثار جدل كما كان في الماضي "مهما كانت مكانة العلم آخذة في الارتفاع فالعلاقة بين العلم والشعر أصبحت ضرورة وسيرجع البشر كما يقول "ارنولد" إلى الشعر ليفسر الحياة لنا وليغذينا ويعيننا وبدون الشعر سيبدو عالمنا ناقصًا.
إن الشاعر يملك القدرة على استبيان الصورة الفعالة للأشياء مما لا يحيط به العالم، إن الشاعر يحمل معاناة الانسان الذي تمزقه شرور العلم "الحروب بأدواتها المتطورة القاتلة" وشرور المجتمع "بما يحتويه من متناقضات".
إن ذاكرة البشرية تحمل من اسماء الشعراء المبدعين أكثر مما تحمله من أسماء المخترعين العلماء.
إن الشاعر كما يقول "سدني" لا يخبرنا بالحقيقة الحرفية عن العالم، بل يعرض علينا صورة لعالم مثالي تثيرنا إلى محاولة نسخها في سلوكنا الخاص.
ستبقى للشعر مكانته السامية في حياة الإنسان وأن ما بذله المفكرون من جهود لتوضيح أهمية هذه المكانة لم تفلح إلا في إظهار القليل منها.
إن حقيقة هامة ندركها وهي أن العامل الأول في الشعر ليس الفكر وأن دور الشاعر يختلف عن دور العالم ومن الخطأ أن نطلب من الشاعر أن يكتب باعتباره عالمًا ـ هذه الحقيقه توضح لنا أهمية استمرار الشعر وبقائه إلى جانب العلم مهما تطور.
إن ما قدمته هو شذرات قد لا تجيب أجابة كافية عما يثار من أسئلة حول مكانة الشعر الآن ولكنها تفتح ثغرة لقارئ لا يملك الوقت والجهد ليطل من خلالها إلى هذا العالم الرحب.