الصور الذهنية والحقائق المقلوبة
علاء سحلول المصريين بالخارجبقلم : م.أشرف الكرم
تقبع داخل كل منا أفكار ومفاهيم ومعتقدات، تشكل في مجموعها الكثير من ردود فعلنا تجاه الأحداث التي نمر بها سواءً على المستوى الشخصي لكل منا أو على المستوى العام لوطننا اجتماعيًا أو سياسيًا أو غير ذلك.
وتختلف ردود فعل الناس تبعًا لتلك الأفكار والمفاهيم التي هي داخل كل منا، والتي تشكل صورة ذهنية خاصة بالإنسان، يتمسك بها مقتنعًا بها ومعتقِدًا، لتمثل لديه الحقيقة المطلقة التي لا يتنازل عنها في كثيرٍ من الأحيان إزاء كل حدثٍ أو نقاش عابر، ليشتبك من خلالها بأي آخريختلف عنه في هذه الصورة الذهنية التي يرتكز عليها في ردود فعله.
ونرى ذلك كثيرًا حول أي حدثٍ يجري على الساحة الوطنية، أو مشروعٍ يتم تنفيذه، إذ أن لكل ذلك مسئولٌ يقوم به وعليه، ينفذه بناءً على قناعات بمصالح عليا يراها، يتفق معه البعض ويختلف معه الآخرون، وهذا طبيعي بل ولازم حدوثه ولازب، بقوة تواجد الاختلاف كفطرة إنسانية جُبِلت عليها البشرية وقامت.
ونقصد بالاختلاف هنا هو الذي ينبني على قواعد متخصصة ومهنية ومعرفية علمية، وبمقاصد تهدف إلى ترقية الأداء وتنمية المردود وإفادة القائمين على تنفيذ تلك المشاريع وهذا اختلاف تنوع محمود، لكن الخطير في الأمر، هو أن يرى البعض أحيانًا عملٌ عام تم القيام به، على أنه سلبي ولا فائدة منه، رغم أن له إيجابيات كبيرة، يقرها المتخصصون، ويلمسها المستفيدون المستخدمون لهذا العمل، وتُثني عليه العقول التي تحكم بالمنطق، ويحدث ذلك لأن الصورة الذهنية السلبية المسيطرة على هؤلاء البعض، هي التي تجعلهم يرون الأمر من خلال أفكار ومفاهيم محتقنة ومنفعلة، فينعِتون العمل الإيجابي على أنه غاية السلبية.
وهنا لابد من أن ننبه هؤلاء، بأن الصورة الذهنية السلبية لديهم هي التي تجعلهم يرَون من خلالها أي شيءٍ على أنه سلبي رغم إيجابياته، وأن عليهم تطوير أنفسهم بأن يروا الحقيقة كما هي، دون زيادةٍ فيها ولا نقصان، وأن يتعودوا الرؤية الحيادية التي تُحكّم التخصص والمنهجية العلمية في الحكم على الأعمال، وأن يتوجهوا إلى تقييم الفعل وليس الفاعل، وأن يرَوا الأداء وليس المؤدي، وأن يحلّلِوا الفكر وليس المفكر، حتى يصلوا إلى الرؤية الصائبة وحقيقية الواقع الذي فيه يعيشون، بعيدًا عن الصورة الذهنية التي تلبستهم، والتي يمكن أن يرَوا بها ضوء الشمس على أنه لا طائل منه، بل وأحيانًا بأن ليس لنا منه إلا حرارةً تضر.
وعلى الجانب الآخر، علينا أن نعرف بأن تلك الصورة الذهنية، تتغير عبر السنين، ومن رأى الخير شرًا فقد يُصحِّح عبر الأيام رؤيته ليراه خيرًا جليًا، ولا داعي إلى أن ندخل مع صاحب الرؤية السلبية في جدالات ومشاحنات، بل علينا أن نكتفي بأن نطرح عليه الإيجابيات وننشرها ونعلنها ونُعلِم الناس بانتفاع الجميع بها، دونما هدرٍ للوقت والجهد في جدالٍ مع هؤلاء.
إن قلب الحقائق ومحاولة جعل الإيجابيات ضررًا لمحو جهد الآخرين وإفساد كل عملٍ يتم للوطن، لن يضيرَ إلا صاحبه ولن يتأثر به إلا كل عليلٍ مشوّش الصورة، مفتقرٍ للمنطق والفكر السليم.